ودّعت ولاية غليزان الواقعة على بعد (350 كلم) غرب العاصمة الجزائر الحاجة خيرة، أكير معمّرة، ليس بالولاية ذاتها فحسب بل في الجزائر قاطبة، لكن أبناء مدينة غليزان الساحلية و السياحية الجميلة، مدينة الفنون والمسرح، بالأخص القاطنين ببلدة "سيدي امحمد بن علي" سيتذكرون وللأبد العجوزة خيرة، القابلة التي أعانت عشرات المئات من النساء الحوامل ببلدتها على وضع حملهن طيلة اكثرمن نصف قرن، وكانت كلما توّلد طفلا تأخذ خيطا من حرير وتعقده تم تضعه في صندوق امتلأ بعد سنوات طويلة من عمر اشتغالها كقابلة بالحياة التي عاشتها ملء فؤادها، فعمّرت فيها ولم تغادرها إلا وهي ذات ال 115سنة. وحسب شهادات أحفادها وعددهم 200 حفيد، كانوا فلذات أكباد أبناء الحاجة خيرة التسعة (خمسة ذكور وأربع إناث)، سبعة منهم سبقوها للقبر، فإن عميدة المسنين التي شيعّت إلى مثواها الأخير هذا الاثنين، كانت تعشق أكل خبر الشعير صباح كل يوم جديد، وهو الخبز المعروف بالناحية باسم "خبز الزرع" مرفوقا بحليب البقرة و زيت الزيتون، ولم يرتعش قوام الحاجة خيرة إلاّ بعدما تقدم السن بها كثيرا فأقعدها الفراش، فقدت على إثره شهيتها في الأكل و الطعام فيما يشبه الإضراب على الحياة، التي أحالتها على الموت البطيء لشيخوختها المتقدمة جدا. وعاشت الحاجة خيرة، والاسم مأخوذ من الخير، وعندما ينسب للرجل يدعى "الخيّر"، والاسم شائع الانتشار بالناحية الغربية من الجزائر، عاشت حياة الترمل رفقة أبنائها التسعة، واحترفت إلى جانب التوليد التقليدي كقابلة، التداوي بالأعشاب الطبيعية، حيث عرفت بوصفاتها العشبية الموجهة للنساء المصابات بالعقم، وظل ارتباط الحاجة خيرة بالطبيعة كبيرا حيث عرفت ببلدتها أيضا بصناعة الأواني الفخارية، زينة البيوت التقليدية العتيقة بالمنطقة، وهي الحرفة التي كانت تدّر عليها القليل من المال مكّنتها من إعالة أبنائها اليتامى وبناء بيت صغير يتسع لغرفة واحدة و مطبخ صغير. ويحكي الأحفاد، نقلا عن جدتهم الحاجة خيرة، أن أهل الأخيرة لم يعمدوا إلى تسجّليها بمصالح الأحوال الشخصية إلا العام 1900 عندما كانت تبلغ من العمر خمس سنوات، بمعنى أنها ولدت العام 1885، وأنها تزوجت ولم تتجاوز عقدها العشرين، وأن مهرها آنذاك كان (عشرين دورو) أي دينارا واحدا، الذي لا يكفي اليوم لشراء حبة حلوى صغيرة من صنع محلي؟