تحمل العلاقات الأمريكية – الإيرانية قدراً من اللبس والتناقضات ما يؤكد القاعدة السياسية بأنه لا عداءٌ دائم، ولا صداقة دائمة ولكن مصالح تقرأ في مشهد التوازنات في المنطقة. وفي ظل انعدام معلومات دقيقة، وبالاتكاء على التسريبات والتصريحات المقتضبة والمتناقضة أحيانا هناك ما يدعو للقراءة في طبيعة هذه العلاقة إلى درجة احتمالات الصفقة، وهي احتمالات قائمة لا يمكن تجاهلها خاصة في مسار أحداث تؤكدها، وتطورات تدعو لاستعادتها باعتبارها فرضية قائمة وممكنة. من يراقب ما يحدث فيما يتعلق بالملف الإيراني والعراقي والأفغاني يدرك أن المعلن ليس بالضرورة المصدر الوحيد الذي يمكن الاتكاء عليه في تحليل ظاهرة القوة الإيرانية الصاعدة، وعلاقتها بالولاياتالمتحدةالأمريكية. من يراقب ما يحدث فيما يتعلق بالملف الإيراني والعراقي والأفغاني، يدرك أن المعلن ليس بالضرورة المصدر الوحيد الذي يمكن الاتكاء عليه في تحليل ظاهرة القوة الإيرانية الصاعدة، وعلاقتها بالولاياتالمتحدةالأمريكية خلال الشهر الماضي، تم تشغيل المفاعل النووي الإيراني في بوشهر بمباركة أمريكية. الولاياتالمتحدةالأمريكية تثق بالإدارة الروسية في الإشراف المؤقت على المفاعل النووي الإيراني في بوشهر، ولا تراه يشكل مشكلة مع إيران وهي تقر بحقها في استخدامه وتشغيله. رسالة تطمين أمريكية لا تدعو الحكومة الإيرانية للقلق من مواصلة توظيف الطاقة النووية. تخف لهجة الولاياتالمتحدةالأمريكية تجاه الملف النووي الإيراني مؤقتا، ثم تعلو وتتصاعد لتعود مرة أخرى في مناسبات يمكن رصدها خلال الأعوام الماضية بوتيرة تجعل من هذا الملف متحركا دون أن تبدو بالأفق أكثر من القدرة على فرض عقوبات اقتصادية ضعيفة التأثير. القلق الأكبر هو وضع المنطقة دائما في مجال القلق والتردد في التعاطي مع ملف شائك هو الملف الإيراني برمته وليس فقط مفاعلات إيران النووية. الملف العراقي، المجال الأكثر أهمية في اكتشاف علاقة أمريكية - إيرانية من نوع آخر. هناك حالة توافق لا يمكن إخفاؤها، وهناك اعتراف ضمني من الولاياتالمتحدةالأمريكية بمصالح إيران في العراق وبطبيعية علاقاتها بأطراف السلطة العراقية المتعثرة. وتأخذ هذه المساحة مداها باعتراف ضمني باقتسام النفوذ وبالدور الإيراني بكامل الأهلية ليأخذ مساحته المعترف فيها بعراق الطوائف. ومن اللافت أن الولاياتالمتحدة تتوافق مع تحالفات ذات طبيعة طائفية مما يعمق القلق لدى دول المنطقة في وقت تدعو للسيطرة على النفوذ الإيراني الطائفي!!. الملف الأفغاني ليس ببعيد عن الملف العراقي، ويمكن اكتشاف حالة توافق أمريكي - إيراني في التعاطي مع الملف الأفغاني. لم يخف الرئيس الأفغاني تسلم مكتبه مخصصات مالية من إيران، ولم يكن هذا ليتم دون موافقة أمريكية بما يحدث في مكتب رئيس الوزراء. هل ثمة توافق على تغيير تركيبة سياسية في بلدين جارين ( أفغانستان والعراق) وإعلاء الحصة الطائفية بما يخدم مشروعات مشتركة بدأت تداعياتها تتحرك عبر مراكز تفكير أمريكية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر!!؟ أما الوثائق التي نشرها موقع ويكيليكس فتذهب لما هو أبعد من هذا. لقد استبيح العراق بالتعاون المضمر والمنسق بين المجهود الأمريكي والإيراني، ولم يكن ليحدث هذا لولا حالة اعتراف مضمر بالدور الإيراني، وتوجّه نحو إعادة صناعة التركيبة السياسية في العراق لغرس جسد طائفي يؤسس لنظام ذي طبيعة متوجسة وغير منسجمة مع دول المنطقة المحيطة بالعراق ويجعله اقرب للتحالف مع إيران. علينا أن نطرح الأسئلة في سياق طبيعة النتائج المتحققة على الأرض، وفي سياق القوة الإيرانية الصاعدة، وفي مسار علاقة إيران بدول المنطقة من أفغانستان إلى لبنان مرورا بالعراق. المواقف المعلنة عندما تتعارض مع وقائع الأرض تتهاوى قيمتها باعتبار أن الواقع يجبّ ما سواه من لغة الخطاب السياسي والإعلامي المتداول. النفخ الأمريكي في البعبع الإيراني المهدد لأمن المنطقة ثم دعوتها للعودة لمائدة المفاوضات حول نشاطها النووي أو التلويح مجددا بمزيد من العقوبات الاقتصادية.. وهي تتبادل هذا الدور مع الكيان الإسرائيلي عبر مواجهة تصعيد كلامية تصعد لتهبط دون ادنى تأثير سوى ما تتركه من غبار التكهنات. السؤال أمام هذا المشهد الذي يأخذ مساره بين التصعيد والاحتواء، ماذا لو قررت الولاياتالمتحدةالأمريكية التعامل مع إيران عبر تقاسم النفوذ والمصالح في المنطقة؟ وهل من المستبعد أن تسلّم الولاياتالمتحدةإيران مهمة خاصة بالمنطقة طالما هناك تنسيق وتعاون في ملفات كالعراق وأفغانستان، وطالما أبدت إيران استعدادها وقدرتها على حفظ المصالح الغربية في الخليج؟! خلال عشر سنوات مضت لم تكن السياسة الأمريكية في المنطقة سوى عامل مساعد ويصب في المصلحة الإيرانية. التجاذبات الأمريكية - الإيرانية على صعيد المعلن، والتوافقات على أرض الواقع تُراكم ظلال الشك وعدم اليقين من سياسة أمريكية يمكن أخذها بمأخذ الالتزام تجاه حلفائها في المنطقة. غزت الولاياتالمتحدةالأمريكية العراق تحت حجج كاذبة، وسلّمت العراق لقمة سائغة لإيران، ليصبح مجالا حيويا لتعزيز حضورها وأوراق لعبتها السياسية عبر أدوات في النظام العراقي الجديد. لا يمكن اعتبار الواقع العراقي اليوم صدفة تاريخية حققت لإيران ما لم تكن تحلم به. أليس من الغريب أو المشكوك فيه أن تتجاهل السياسة الأمريكية السيناريوهات المحتملة للحالة العراقية بعيْد الغزو، وهي التي تتخذ قراراتها بالاعتماد على مراكز بحوث وتفكير استراتيجي وقراءة دقيقة لمكونات المنطقة ولكافة فرضيات واحتمالات الوضع العراقي بعد إسقاط النظام، أم أن صناعة تركيبة سياسية جديدة في المنطقة على هذا النحو كانت هدفا استراتيجيا أمريكيا؟! ولم تكن الحالة الأفغانية بأفضل حال من العراق. إزاحة طالبان قدم لإيران خدمة كبرى. التنسيق الأمريكي – الإيراني في أفغانستان ليس سرا. لقد أثمر تحييد الوضع الأفغاني تجاه إيران وكذلك تقاسم النفوذ في العراق ضمن معادلة أوراق اللعبة التي تتقن الحكومة الإيرانية استخدامها في المنطقة بما فيها الورقة اللبنانية وورقة الصراع العربي - الإسرائيلي مما مكّن إيران من بناء تحالفات وصناعة قوى ضغط ستؤثر في شكل العلاقة القادمة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية ودول المنطقة لسنوات قادمة. السؤال هل ثمة صفقة بين إيرانوالولاياتالمتحدةالأمريكية؟ وما هي أبعاد هذه الصفقة لو كانت، وآثارها على الدول العربية ؟ وفي ظل ظروف اقتصادية تعاني منها الولاياتالمتحدة وتدرك تأثيرها على قدرتها المتواصلة في حماية مصالحها أو حلفائها، لن يكون بوسع الولاياتالمتحدةالأمريكية مواصلة مهمة قتال مستحيلة، أو حتى التواجد الدائم والمتحفز لقواتها حد الاستنزاف، فخلال عشر سنوات كان الفشل كبيرا والنتائج متواضعة، والأوضاع أكثر خطورة على مصالحها في منطقة تعتبرها جزءاً من نفوذها الاستراتيجي. ربما تقود هذه التساؤلات والافتراضات القائمة عليها إلى تصور سيناريو يبدو محتملا في مسار العلاقة الأمريكية – الإيرانية . هذا السيناريو يقوم على المزيد من الضغط الإعلامي والسياسي على إيران مرحليا ... دون تغيير في مسار حالة صراع معلن، إلا أن حالة توافق واعتراف ضمني بالمصالح والنفوذ الإيراني تمضي بهدوء في مسارات أخرى حتى تقرير الشكل النهائي لعلاقات أطراف الصراع. وهذا بدوره يقود إلى سؤال أكثر مشقة يا ترى ماذا أعدت الدول العربية في المنطقة وخاصة دول الخليج وهي المتأثر الأكبر لو كانت هذه الاحتمالات ممكنة ؟