«الحرية» من وجهة نظر الشباب، والانفتاح من منظور المجتمع، اتجاهان متضادان يسيران بخطين متوازيين لن يلتقيا أبداً مع مفاهيم الحرية التي تعبر عن الشباب ومدى قلقهم من مجتمع كبتَ رغباتهم بقسوة العرف والعادات والتقاليد الوضعية على حد تعبيرهم، لأنّ هناك جيلاً يتلوه جيل، بفكر متجدد وثقافة مواكبة لكل جديد. الحرية أمر مهم "فواز الأسمري" -طالب جامعي- يؤكد أنّ الحرية أمر مهم بالنسبة له فلا تتخللها قيود أو حدود طالما لم تتعارض مع تعاليم الدين الإسلامي، الذي نهى عن التعصب بأفكار اندثرت وعادات لا تتناسب مع عولمةٍ نتعايشها، مشيراً أنّ نفسه تصعب عليه عندما يجد إجحاف المجتمع له كشاب متورد على ينابيع الحياة ورغباتها، ولو في طريقة لبسه وقصة شعره وأماكن تنزهه التي تعد من وسائل الترويح بالنسبة له وتندرج ضمن إطار حريته. "فواز" لم ينكر العادات والتقاليد التي يحترمها؛ لأهميتها في المحافظة على اتزان المجتمع الذي يجب عليه أن لا يتشبث بالأساليب القديمة في ترجمة حريته وأقرانه من الشباب، الذي أصبح من غير المجدي إتباع مبادئ اندثرت في التعامل معهم (كهذا نعم وهذا لا، وهذا يجب وهذا لا يجب) استبدال فكرة الإنغلاق وكأي شاب مقبل على الحياة يحب مواكبتها، يتطلع "فواز" من المجتمع إلى استبدال فكرة الإنغلاق بالانفتاح المشروع، وتقبل الواقع الذي يؤثر بشكل قوي في شخصية كل شاب، ويسهم في تعزيز ثقته بنفسه التي لو لم يعبر عنها ولو في طريقة أكله أو لبسه أو طريقة ضحكه، أوأوقات سهره التي لو تجاوزت العاشرة مساء لارتبطت بانحرافه، مما يجعله يسلك طريق خاطئ ليبحث من خلالها عن أي شيء يعبر به عن رأيه ليمارس من خلالها ما يتمنى فتغدو تصرفات الشاب لا تعبر عن مجتمع وإنما تعبر عنه بمفرده، مشيراً إلى أحد المواقف التي تعرض لها عندما رآه أحد الكبار في السن، وأبدى تعجبه بتسريحة شعره والتي من خلالها أطلق حكمه عليه بأنه شاب منحرف؛ ليتخذ على أثر تلك النظرية قرار منع أبنائه من الاحتكاك ولو بالسلام معه!. لكل زمن جيل ولكل جيل متطلبات بالعادات والتقاليد الوضعية ويستمر صوت الشباب يتعالى من على منبر الحرية مطالباً بحقوقه من المجتمع، ففتاة ال24 ربيعاً "أمل محمد" تدعو بكل أمل وإصرار إلى فتح أبواب الحرية الشخصية واحترامها وعدم وصدها بالعادات والتقاليد الوضعية، قائلةً بصوت مختنق: لم نخالف الأديان ولا الكتاب والسنة بمطالبنا، ولم نطالب بحريتنا كي تنهض على حساب الغير وإرغامهم على الاقتناع بوجهات نظرٍ لا يرغبونها، مؤكدةً أنّ الحرية لا تعني انتهاك قوانين الاحترام الذي يعتبر جزءاً لا يتجزأ من احترام الذات، فالإنسان أحوج ما يكون إلى التنقيب في أرجاء نفسه؛ ليعرف مواطن الخلل والضعف وليضع حداً لحريته حتى لا يقع ضحية تصرفات لا تليق. فواز: أزيلوا «الانغلاق» بالانفتاح المشروع "أمل" لا تطلب بأن يرضخ المجتمع أمام رغباتها "الأنانية" كرفع صوت المسجل بلا مبالاة، أو تجاهل احترام أوقات راحتهم، والذي قد يصنفه البعض تحت لواء الحرية الشخصية، فهي تعلم جيداً أنّ بعض العادات متوارثة، وليس لها أساس من مدى صحتها سوى – عادات وتقاليد – ليجبر تلك الوردة المتطلعة لأسارير الحياة أن تختلق لها نهجاً جديداً وأن تصنع لها عادات وتقاليد تناسبها قد يتحفظ عليها المجتمع، فالحرية بالفكر قبل التصرف بعينها. أمل: حريتنا لا تعني انتهاك القوانين تجاهل المجتمع وتؤكد أنّ تجاهل المجتمع حقيقة تؤول إلى أن لكل زمن جيلاً ولكل جيل متطلبات تجديد لهذه العادات والتقاليد؛ لتتوافق مع تفكير العصر فالأخذ بتلك العادات ليس منها جدوى سوى إرضاء لمن سبقوهم و تركها لن ينتج عنه أي مضرة، مشيرةً إلى موقف جدتها منها عندما علمت رغبتها بالعمل في إحدى الصحف المحلية، والتي عارضت بشدة وقسوة تحت حجة أن نهاية كل فتاة الزواج، وأن العادات والتقاليد تنكر عمل المرأة الإعلامي، متمنيةً كما هو غيرها من الشباب أن يرفق المجتمع بحالهم ليستطيعوا أن يبنوا لهم حياة خاصة من تفكيرهم وأساليبهم غير المتوارثة، وإنما منتقاة ونابعة من داخل ذواتهم والتي لها علاقة كبيرة بتكوين شخصيتهم وتعزيز ثقتهم وسيادتهم على أنفسهم بزرع ذاتهم ليحصدوا نتاج زرعهم بنهوض مجتمع جديد غير متزعزع. طريقة اللبس وقصة الشعر يعتبرهما البعض من الحرية الشخصية إصرار روح الشباب وتمسك "بيان" بريشة فنان لترسم حدودها بنفسها دون أن يتخطاها كائن من كان في مجتمع ترى أنه يحاول قتل فراشات ربيعها ال20 تحت مسمى لا يعي منه الجميع سوى مسمى "العادات والتقاليد" الذي لن يتجاوزه المجتمع ما لم يتخطاه بإصرار روح الشباب، معلقةً على بعض رسائل المجتمع لها، ولقريناتها الذي يرغمهن على دفن أصواتهن ومطالبهن بحريات شرعها لهن رب رحيم بعباده، لتطغى عليها عادات تحكم بالمظهر دوماً، فبعض من قصر ثوبه وأعفى لحيته بات مضرب للمثل وكذلك من تظاهرت بالخذلان والعباءة على الرأس أشير لها بالبنان وقيل عنها -لله درها- بينما الخافي لا يعلم عنه سوى رب القلوب. ذكريات تترنح "بيان" تشتاق لماض مر بها، دفنته عائلتها بقسوة زلزلت أملها بالحياة، ليذهب مخلفاً لها ذكريات تترنح مابين الجمال والألم والحزن والسعادة التي سترغمها في حال رجع الزمن قليلاً للوراء أن تخوضها دون تردد، وستتحدى تلك العادات التي قتلتها دون أي وجه حق، ولو تحفظ عليها المجتمع الذي يسعى بكل ما أوتي من قوة لكبت حريتها التي تشعرها بقوة وثقة بالنفس عالية تكفي لتدعمها في صنع مجتمع يحترم فكر شبابها وصحوته! العبدالواحد: أبناؤنا يتصرفون بازدواجية وبصوت مختنق يقاوم تلك الأيادي الخانقة، ترثي "بيان" أحلامها وخططها التي ترسمها لتوضيح تضاريس مستقبلها وقت خلوتها مع نفسها التي تشعرها بقوة فولاذية، ليأتي المجتمع ساخراً منها بقتل حريتها ولو بالحلم، لتصحو على حقيقة أنها تابعة لمن سبقها لا تختلف عنهم ولا تتغير أبداً كما يريد المجتمع وأهلها المتشربون بتلك العادات كغيرهم من الأسر الأخرى التي ترفض أي جديد بحكم أنه شاذ وسيسبب (القيل والقال). «الحرية» أمر مهم طالما لا تتعارض مع تعاليم الدين لا وظيفة إلا بعد التخرج وذكرتْ بعض المواقف التي تكبت حريتها -ولو بقرارات تخص مستقبلها- ومن ذلك رغبتها الالتحاق بوظيفة صيفية تستغل بها وقت فراغها بفائدة لها ولتكتسب من الخبرة ما يصقلها في الحياة ويقويها، ولتكون لها رأس مال لتشق به طريقها في ثقافة العمل الحر، ولكن للأسف المجتمع قد يعبر عنه بحاجتها وضعف دخل أسرتها المادي مما جعل أسرتها لقرارها رافضين، ولحلمها دافنين تحت أسوار -لا وظيفة إلا بعد التخرج- مما خيب ظنها، فآمنت كغيرها من الشباب بمبدأ اللاتوافق وأن كل شخص يختلف عن الآخر بفكره مما سبب تلك الفجوة في المجتمع الشرقي والتعصب الجاهلي. الانفتاح المطلق قد ينتج عنه ندم وحسرة تستمر بقية العمر محاولة للإنقاذ من جانب آخر تعبر والدة "عبير رياض" مستمعة لمطالب الشباب وما يؤرقهم من مجتمعهم، وتبرر تدخل الوالدين في رغبات وتطلعات الأبناء -التي تعد طفرة عمرية- إلى أنه محاولة للإنقاذ من لحظات الندم عند النضج، فعندما تمنع والدة "عبير" ابنتها من تخريم أذنيها، ليس لمجرد المنع ولكنها متيقنة أنها عندما تبلغ ال 30 ستندم؛ لأنه سيعد مظهر غير لائق لامرأة ناضجة، كما تبرر منعها لابنها "طلال" من لبس الثياب المخصرة، أو منعه من التصرفات الصاخبة؛ كي يحترم اتزان المجتمع الذي اليوم هو فيه شاب مراهق وغداً هو أب مسؤول فلا ترغب بأن ترتبط بذهن المجتمع صفة عدم الاتزان عن ابنها واللامبالاة، قائلةً بنبرة أم حنون ومربية أجيال: كلي يقين بأنها طفرة وستمضي، وحينها سنجد الشباب المتألم من كبت حرياتهم شاكراً لكل من كان يظنها كابت لحريته. بيان: لماذا يريدني المجتمع تابعة لمن سبقني؟ نمارس حياتنا تحت شرع الله في الضفة الأخرى من تلك الدراما التي يرى الشباب أنها منتهكة لحرياتهم ومكبلة لرغباتهم، ترى الاختصاصية الاجتماعية الأستاذة "فاديه العبد الواحد" أنّ موضوع حرية الشباب ومن وجهة نظر اجتماعية يكون من خلال أربعة محاور اجتماعية: "الأسرة، والمجتمع، والدين، والعرف والتقاليد المجتمعية"، وهذه التقاليد هي للأسف المطرقة الحديدية التي يطرق بها الأهل على رأس حريات الشباب من أبنائهم الذكور والإناث، متناسين أننا نمارس حياتنا تحت شرع الله وليس العرف والأوامر والنواهين مما يجعل الأبناء يتصرفون بازدواجية في شخصياتهم، مشيرةً أنهم أمام الأهل يحافظون على العادات والعرف وبعيداً عن الأهل يكسرون هذا العرف بنفس المطرقة التي كسرت بها حرياتهم، فتكون سبباً لطرق أبواب الإنحراف، كما أنّ انعدام التعامل بالصراحة بين الأهل والأبناء يجعلهم يوقعون في الخطأ أحياناً والتمرد لتكون من سماتهم دفاعاً عن الحرية التي هي هاجس الإنسان بشكل عام و الشباب بشكل خاص وهي الصراع الأبدي بين الآباء والأبناء في مرحلة الشباب والمراهقة، فالكثير من المربين يواجهون الرفض والتمرد للتوجيهات والنظر إليها كمصادرة لحرياتهم ومن خلال ذاك التمرد يبدأون بالبحث عن وسائل تربوية لترويض هذا النشأ. فواز الأسمري احترام الحرية وشددت "العبد الواحد" على احترام الحرية التي تبدأ منذ الطفولة وضرورة بنائها على أساس سليم باستخدام الحوار الذي من خلاله تسهم الأسرة في إنشاء شباب متزن داخلياً لا تصطدم حرياته بما يطلبه من المجتمع والدين والأهل والعادات، وحتى لا يقع الشاب والشابة في مواجهة صعبة ومؤلمة من خلال ممارسة المجتمع الضغوط الكثيرة والمتعبة عليهم نتيجة لاختلاف وجهات نظر متشددين، مؤكدةً أنّ الدين والشريعة الإسلامية كفلت الحرية التامة للشباب إذا لم تدخل تلك الممارسات في المحرمات أو التعدي على الغير، ولكن للأسف هناك بعض الأسر أخذت الدين حائلاً بين حريات الشباب وقدراتهم على تلبيات احتياجاتهم من لبس وتقنية وغيرها لترضي نظرة المجتمع في مفاهيمه الوضعية.