لايزال قرار إغلاق المدارس السعودية في المملكة المتحدة وإيرلندا، محل جدل في مختلف وسائل الإعلام بين تأييد وزارة التربية والتعليم والملحقية الثقافية في بريطانيا، وبين رفض واستياء المعنيين من المبتعثين والطلبة وأولياء الأمور. أضر بالطلبة في البداية يقول"د.عبد الرحمن باقيس" وهو مبتعث سابق كان مديراً للمدرسة السعودية في أدنبرة ( 2003-2008)، وعمل فيها كمسؤول مالي لمدة عام: إن قرار إغلاق مدارس أندية الطلبة السعوديين في المملكة المتحدة وايرلندا قد أضر بالطلبة، خاصةً الصفوف الابتدائية الأولى والصف الثاني والثالث الثانوي، مضيفاً أنه من تجربته الشخصية درس أحد أبنائه التمهيدي إلى السادس الابتدائي في مدارس بريطانية، ولكن في نفس الوقت كان يدرس بالمدرسة السعودية، فدرس من الأول الابتدائي إلى الخامس الابتدائي بها، وقد كان أثر ذلك واضحاً وجلياً على مستوى ابنه الدراسي، فبفضل من الله تمكن ابنه من الاندماج في المدرسة والنظام الانجليزي، بل وتمكن من اللغة الانجليزية قراءةً وكتابة، مشيراً إلى أنه بحكم انضمامه في المدرسة السعودية تعرف على المعارف المقررة فيها، وتمكن من اكتساب مهارة القراءة والكتابة بالعربية، بل وتعرف على نظام المنهج المحلي، ذاكراً أنه كنتيجة لذلك وعندما عدنا إلى أرض الوطن انضم ابني في إحدى المدارس الحكومية، وتمكن من أن يسير مع أقرانه الطلاب، ولم يكن متخلفاً عنهم أو بعيداً عن مستواهم، كما أنه لم يصب بأي صدمة ثقافية جراء انتقاله من حضارة وثقافة ما إلى حضارة وثقافة مختلفة تماماً عن الأولى. من مساوئ القرار أن تأسيس المرحلة الابتدائية سيكون ضعيفاً جداً سيعانون الأمرين وحول طلاب المرحلة الثانوية ذكر "د.باقيس" أنهم سيعانون الأمرين في هذا الجانب، معللاً ذلك بعدم تمكنهم من تحصيل الدرجات التي تؤهلهم لاختيار التخصص الذي يحقق طموحاتهم، مرجعاً السبب إلى عدم توفر الوقت الكافي لهم للاندماج في المدارس الأجنبية بسرعة (خلال عام واحد فقط أو عامين)، بالإضافة إلى تعلم اللغة وفهم المنهج الجديد على الطالب، ثم بعد ذلك تحقيق درجات عالية، وبالتالي سيكون تحصيل الدرجات العالية مسألة صعبة جداً عليه، بل وسيواجه صعوبات كبيرة في انضمامه إلى إحدى الجامعات البريطانية باستخدام شهادة المدرسة الثانوية الانجليزية، كما أنه سيواجه صعوبات في انتسابه إلى إحدى الجامعات السعودية كذلك، ولن يحصل على القبول لتدني معدل درجاته، مقترحاً أن يتراجع المسؤول عن القرار "فالحكمة ضالة المؤمن"، وأرجو دعم الأندية والمدارس السعودية في الخارج والتشجيع على استمرارها دعماً مادياً ومعنوياً من قبل وزارة التربية والتعليم، عن طريق توفير المستشارين والبرامج الحاسوبية الضرورية لإدارة المدارس وتسهيل عملية تشغيلها، والاعتراف بشهاداتها وتوفير وإيصال الكتب لها، إلى جانب إرسال المراقبين والمشرفين عليها ليس فقط للإشراف والرقابة، وإنما للدعم وتذليل الصعوبات. د.باقيس: لابد من إعطائهم استثناءات بشكل مؤسساتي وأوضح "د.باقيس" أن المدارس السعودية التابعة لأندية الطلبة السعوديين تحتاج إلى العمل بشكل مؤسساتي، لذلك تحتاج دعماً إدارياً وفنياً استشارياً، ويُكون فريق عمل يضع آلية عمل للمدارس، ويعمل على تحديث لائحة عملها بالتشاور والتعاون مع الإدارة العامة لأندية ومدارس الطلاب السعوديين، مع تثقيف الطالب المبتعث عن دور المدارس السعودية التابعة لأندية الطلبة السعوديين، وتثقيفه عن حالتها الخاصة، وكذلك تثقيف من بداخل المملكة عنها أيضاً، لافتاً إلى أنه على الجميع أن يدرك أن الطلبة يدرسون في منهجين مختلفين وفي نفس الوقت جنباً إلى جنب، وبالتالي يحق لهم التعامل بشكل خاص وإعطاءهم استثناءات لا تعطى لأقرانهم ممن يدرسون في الداخل، ومن الضروري تثقيف كل مبتعث عن أهمية انضمامه إلى أندية الطلاب بالخارج فهي خير معين له بعد الله، ومعها يتجاوز الكثير من الصعوبات، حتى يتكيف مع الوضع في بلد إقامته الجديد. همزات الوصل وعبرت "شذى الغامدي" -ماجستير إدارة تدريب وتطوير جامعة إدنبرة ومنسقة المبتعثات السعوديات في انبرة لعام 2009م-، عن رأيها قائلةً: المدارس السعودية في الخارج هي بمثابة همزات الوصل الصغيرة التي لا تصل أبناء الطلبة بمناهجهم في السعودية فقط، بل تصلهم ببلدهم وعروبتهم ودينهم ككل، لأن المناهج الأجنبية التي تلزمنا بها الدول المستضيفة لاتوفر البديل، وفي تلك المدارس يلتقي أبناء الطلبة ببعضهم، مما يشعرهم بالفرحة والانتماء ويجعل المدرسة السعودية بمثابة الملتقى ليس للأبناء فحسب بل للأهالي على حد سواء، فالاحتفالات الدينية والوطنية ومجالس الآباء فرصة يلتقي فيها الطلبة على اختلاف جامعاتهم وأماكن سكنهم، فلا مجال للخلاف ولا مكان للتفرقة، فكلنا أهالي يشغلنا هم تعليم أبنائنا وتربيتهم على الوجه الأمثل. وأضافت: أنه من خبرتها كمنسقة مبتعثات فإن المدرسة السعودية المتمثلة بإدارتها كانت الحل الأخير والأنجح لإيجاد بعض الطالبات والتواصل معهم، وكم من مناسبة أثمرت ونجحت بتعاون أسرة النادي وأسرة المدرسة السعودية، ذاكرةً أنه إذا كان ولا بد من إغلاق المدارس، فإننا نناشد الوزارة بإيجاد حل بديل، مثل أن تقبل أولادنا في المدارس السعودية بناء على شهاداتهم الأجنبية مهما كان مصدرها، بل وتلحقهم بالصفوف المناسبة، وأن تراعي أحوالهم إذا رجعوا بأن تعطيهم دروس تقوية في المواد العربية والدينية، مثلما تفعل المدارس الأجنبية عندما تقبل أبناءنا في المرحلة المناسبة لأعمارهم بغض النظر عن مستواهم في اللغة، وتعوض الفجوة بدروس تقوية وهم ليسوا بأبناء البلد، ولكن قناعة منهم بأن عمر الطفل شيء لا يهدر، وأن الطفل مخلوق ذكي يستطيع اللحاق بركب أقرانه، إذا أعطي العناية والاهتمام، وهذا شيء لمسناه ورأيناه بأنفسنا وأذهلنا كتربويين أولاً وكآباء ثانياً وكطلبة في بلد الغربة ثالثاً. شذى الغامدي: قبول الشهادات الأجنبية هو الحل غير مدروس ويقول "فهد الطلحي" -دكتوراه علم نفس من مدينة برمنجهام-: إن الضرر كبير فيما يتعلق بمستقبل أبنائنا، وخاصةً أن لديه ثلاثة أطفال، كلهم في المدرسة السعودية، فحرمنا من تعليمهم المنهج السعودي ومن تعليمهم بمجتمع يمثل الهوية الوطنية، أيضاً لم يؤخذ رأي المبتعثين، ولم أذكر أننا شاركنا في أي رأي أو قرار حول المدارس، متسائلاً: لماذا يتخذ قرار ضد المبتعثين بدون أخذ أي رأي لهم؟، وببساطة أقل ما يقال عن القرار إنه قرار غير مدروس بشكل جيد، وقد تسبب بالضرر لشريحة كبيرة من المبتعثين، مناشداً المسؤولين بعودة المدارس السعودية بأسرع وقت، حتى نحافظ على تعليم أبناء المبتعثين وهويتهم الوطنية. الانتساب والفشل أما "حسن الفيفي" -سنة ثالثة من مرحلة الدكتوراه في الآداب ليدز في بريطانيا- فيشرح وضعه قائلاً: في الواقع لديّ ابن في الثاني ثانوي، وابنة في الثالث ثانوي، وتصادفت عودتنا من السعودية مع بداية الأسبوع الأول من الدراسة، حيث فوجئنا بالقرار الجديد وتبعاته، مضيفاً أنه لا يعلم ماذا يفعل؟، حيث إن البنت درست الثاني ثانوي القسم العلمي، وهي مميزة في هذا الجانب، وسبق لها أن اختيرت ضمن الطلاب الموهوبين في السعودية قبل مجيئنا إلى بريطانيا، ولديها شهادة تثبت ذلك، والآن لم نجد حلاً لها ولأخيها، ولا ندري كيف يمكنهما الاستمرار؟، مع العلم أن الانتساب في الثانوية بقسمها العلمي أمر غير عملي، لاسيما الصف الثالث الذي يعد مصيرياً بالنسبة للطلاب، والانتساب يعني بشكل أو بآخر إعلاناً للفشل قبل أوانه، متسائلاً: هل نعود إلى البلاد؟، أم يعود بعضنا؟، أم ينقطع الأبناء عن الدراسة؟، مشيراً إلى أن مسألة معادلة الشهادات الإنجليزية مسألة غير واقعية أيضاً، فعلاوة على الغموض الذي يكتنفها، فإننا لم نكن نخطط على اعتمادها، لذا لم نكن ندفع بالأبناء إلى مضاعفة الجهد فيها. الطلحي: سيصبح الضرر على المبتعثين الفيفي: هل نحزم أمتعتنا ونعود إلى البلاد؟ وأضاف أن مستواهم حين قدموا لا يمكنهم من الحصول على درجات جيدة في مواد ال" GCSE" ولا ال"A Levels"، فقد كنا نحثهم على تركيز طاقتهم على المدرسة العربية، لأنها هي المعتمدة حين عودتنا، وعند التقديم على جامعاتنا، والآن ليست لديهما المعدلات المطلوبة للمعادلة، وليس لديهما مدرسة سعودية، ذاكراً أنه لو كانت الوزارة أو المسئولون عن هذا القرار حريصين على أبناء بلدهم، لكانوا وضعوا حداً زمنياً معلوماً للجميع منذ وقت مبكر، بحيث يبحث أصحاب المشاكل المتوقعة عن حلول قبل وقت كاف، فلو صدر القرار عام 2007م مثلاً، وقيل إنه بحلول بداية العام الدراسي 2010م لن تكون هناك مدارس سعودية في بريطانيا، لكنا توقفنا عن الابتعاث، أو بحثنا عن بديل آخر مقنع، وعموما فالأمانة تقتضي من أصحاب القرار أن يجيبوا بوضوح عن أسئلة كثيرة حول مصير عشرات الآلاف من أبنائهم في الخارج. مجموعة من الطلبة والطالبات قبل إغلاق المدارس لازلنا نأمل واقترح "الفيفي" أن يعامل طلاب الخارج في مسألة الانتساب معاملة خاصة -بسبب ظروفهم الطارئة-، والتي تختلف حتماً عن ظروف منتسبي الداخل، وأن تكون لهم نفس أولوية المنتظمين حال تقديمهم على الجامعات في الداخل، أو محاولتهم الانضمام لبرامج الابتعاث، ذاكراً أنه ليس عدلاً أن يعاملوا معاملة الذين تقدموا للانتساب باختيارهم، وأن يضع راصدو الدرجات في اعتبارهم (أرقاماً وليس تعاطفاً) أن طلاب الخارج يتلقون في مدارسهم الانجليزية (أو أي بلد يكونون فيه) علوماً كثيرة ومتنوعة ومميزة على مدى خمسة أيام في الأسبوع، فلا يجعلوا من يدرس علوماً أخرى، ومناهج مختلفة ثقافياً ولغوياً على مدى عام على قدم المساواة، مع من اقتصر في دراسته على مناهج البلد وعلى اللغة العربية فقط، فضلاً عن أن يتم تفضيل الأخير عليهم، مشيراً إلى أن المخرج التعليمي في الحالين مختلف اختلافاً كبيراً، ولا يخفى على الجميع أن طلاب الخارج مجبرون بالقانون على الدراسة في بلد الابتعاث، لذا فثلاثة أرباع جهدهم تنصب على إنجاز عملهم الدراسي على مدى أيام الأسبوع الخمسة، وعندما يتقدمون للاختبار في المواد فهم يتقدمون بأقل من ربع الجهد الذي يملكه طالب الداخل المتفرغ لدراسته، إذ هم لا يملكون عمرين، وليس يومهم 48 ساعة، مطالباً مسؤولي الملحقية الثقافية في بريطانيا أن يطبقوا ثقافة الاستماع إلى الرأي الآخر، خصوصاً إذا كان هذا (الآخر) هو المعني الأول بهذا القرار وتبعاته، وأن يتعاملوا بجدية مع مشاكله من منطلق أبوي يسعى إلى تذليل العقبات أمام المبتعثين وليس إيجادها، ومع ذلك فلا زلنا نأمل أن يتراجع أصحاب هذا القرار عن قرارهم. متعب جداً "نجاة الراجحي" -تخصص فيزياء ووالدة أحد الطلبة- قالت: سيكون تأسيس المرحلة الابتدائية ضعيفاً جداً، بل وسيصعب على التلاميذ قراءة وكتابة لغتهم الأم، وكذلك ضعف إلمام أبنائنا بأحكام ديننا الحنيف، مشيرةً إلى أنه قد تضطر الأم والأبناء للسفر إلى المملكة لإكمال الدراسة والأب يبقى في بريطانيا، بصراحة الوضع متعب جداً. مصالح الأبناء ويعبر "صالح المحيميد" ولي أمر آخر عن حزنه الشديد للقرار الذي سيجعل من وجهة نظره المبتعثين ينشغلون عن الهدف الدراسي جرياً وراء مصالح أبنائهم في الوقت الحالي، معتبراً القرار بعيد عن مصلحة الأبناء في الخارج، مطالباً بإعادة فتح المدارس وتطويرها، بدل التغني على السلبيات والعزف على وتر الإخفاقات، ذاكراً أنه من السهل جداً لكل إدارة أن تهدم، ولكن التحدي هو الحفاظ على رأس المال والسعي للتطوير والتصحيح. عصر الظلام وتناشد "منى عبد الرحمن" -وهي أم لأربعة طلاب-، الجهات المعنية قائلةً: أتيت لأكون عوناً لزوجي في رسم مستقبلنا، ففوجئت بضياع مستقبل أبنائي، متسائلةً: هل يعقل أن نعود لعصر الظلام بعد أن تعدينا الألفية الثانية بعشر سنين؟، هل من الصعب علينا أن نواكب التطور مع الحفاظ على هويتنا الدينية والوطنية؟، موجهةً رسالة إلى خادم الحرمين مفادها: "يا من كنت سفيراً لحل مشاكل جميع من احتاجك في أنحاء العالم، كن لنا عوناً في غربتنا، يا من فتحت الجامعات وبعثت الآلاف من الطلاب لطلب العلم مساهمةً منك في بناء الوطن، أنا متيقنة أنك ستكون بعد الله خير معين لأبنائنا من المستقبل المظلم"، مشيرةً إلى أن اغلاق المدارس يعني إغلاق مستقبل أطفالها إلى الأبد. مراكز التقوية وأكد "وليد العبد الله" - أن القرار يضر بأبنائنا بالدرجة الأولى، حيث يتوقع أن يتدهور مستواهم العلمي إذا اعتمدوا على المدارس الإنجليزية فقط، حيث إن ما يُدرس في هذه المدارس لا يعادل ما يدرسُه أبناؤنا الطلاب في المنهج السعودي، مما سيوقع أبناءنا في حرج كبير عند عودتنا إلى أرض الوطن، حيث سيكون مستواهم منخفضاً جداً بالمقارنة مع أقرانهم، وقد يقعوا وكنتيجة لذلك بمشاكل نفسية واجتماعية، مضيفاً أن مراكز التقوية لن تعوض هذا الضعف، ولذلك وبناءً على انشغال أولياء الأمور بدراساتهم فإن عدد طلاب مراكز التقوية سيقل، الأمر الذي سيكون سبباً منطقياً لإغلاقها، مشيراً إلى أن الحل هو استمرار هذه المدارس وبصبغتها الرسمية، وتكون خاضعة بشكل مباشر لإشراف من وزارة التربية والتعليم، وتكون شهاداتها معتمدة. قرار الإغلاق "أم يارا" -والدة لإحدى الطالبات- تقول: لاشك أن أبناءنا في بلاد الغربة أقل حظاً تعليمياً من إخوانهم في المملكة، وقد كنا نتطلع لقرار حكيم يقضي بزيادة أيام الدراسة في المدارس السعودية، إلا أننا صُدمنا بقرار الإغلاق، والذي يدل على أن مُصدر القرار ليس له أي دراية بأوضاع وحاجة الطلاب في بريطانيا. مشغول الذهن وتوضح "أم عبد الله -والدة طالبتين من مدينة اسكتلندا- أن الأضرار كبيرة ومتعددة، فأسرتي قد تتشتت بسبب هذا القرار، ومستقبل أبنائي الدراسي في خطر، فلا شروط الانتساب تنطبق عليهم، ولا معادلة الشهادات ممكنة، لأن المدارس البريطانية لا تعطي شهادات باستثناء الثانوية العامة، مضيفةً أن القرار تعسفي وأثر سلباً على جميع أفراد عائلتها نفسياً، بل وأثر على زوجها دراسياً، لأنه مشغول الذهن بهذه المشكلة، مبينةً أنها وزوجها دائماً نتساءل: ما هي الأسباب الهامة التي تستوجب إغلاق هذه المدراس؟، وما هي الفوائد المرجوة من الإغلاق؟، أليس من العدل أن يتم الاستماع للمبتعثين قبل اتخاذ مثل هذه القرارات المصيرية؟.