منذ عصر توماس أديسون، ومرورا بعصر بيل جيتس، وحتى عصر ستيف جوبز وغيرهم من أساطير التقنية، فإن الابتكار والتحدي لديهم في تقنيات الإلكترونيات والاتصالات والمعلومات لم يكن من باب الترف وانما احد شروط التميز والريادة في هذا القطاع الحيوي الذي يمس البشرية كافة، والذي بدأ منذ اكتشاف الدوائر الالكترونية المصنوعة من مادة السيليكون في القرن الماضي. لقد كان وادي السيلكون في امريكا أول نهضة حقيقية على مستوى العالم، ضم العديد من شركات الاتصالات وتقنية المعلومات وما زال، وكان هذا الوادي في وقت مضى يجذب افضل عقول المهندسين من شتى أنحاء العالم كالهند والصين، مما جعل المسئولين في هذه الدول تصيبهم الغيرة من هجرة هذه العقول الى امريكا، فكان لا بد من ايجاد الحلول الجذرية والاستفادة من عقول مهندسيهم في بلدانهم. احد اولئك الغيورين كان وزير التقنية في تايوان والذي لم يذق طعم النوم حتى اقنع حكومته الى تطوير مدينة علمية في الثمانينات في ضواحي مدينة تايبي، وبدأ بإغراء شركات التقنية للبدء في تصنيع الالكترونيات في تايوان، حتى أصبحت دولته متقدمة في هذا المجال، ليوقف هجرة العقول فضلا عن استيعاب المهندسين الجدد. وفي الهند أصبحت مدينة بانجالور وادي للسيلكون بكل ما تعنيه الكلمة، حيث تضم هذه المدينة اكثر من 1500 شركة، أغلبها شركات محلية انشأها أصحابها بعد هجرتهم العكسية من الغرب، واليوم يتخرج في الهند ما يزيد على مائة الف مهندس سنويا، كلهم يتلهف للعمل في هذه المدينة وليس خارج الهند. وفي ماليزيا، كانت جهود مهاتير محمد واضحة عندما افتتح مدينة سيبرجايا التقنية والتي ضمت شركات مصنعة وأخرى مبرمجة وجهات حكومية تقدم خدماتها المختلفة للمواطنين بأحدث التقنيات، فأصبحت هذه المدينة والتي تقع على مساحة 75 كيلو مترا مربعا نواة لوادي السيلكون الماليزي، واصبح يضم هذا المشروع اكثر من 850 شركة يعمل فيها عشرات الالاف من الموظفين. وفي الصين، اختارت الحكومة منطقة داخل بكين لتصبح وادي السيلكون الصيني، وكانت تهدف لعمل نسخة من طبق الاصل لكل شيء، ولقد نجحت في ذلك، وها نحن نرى شركاتها اليوم تنافس أقوى الشركات التقنية في العالم، جودة وسعرا. وبالجوار نرى المدن المتخصصة في دبي، كمدينة الاعلام والمعرفة والانترنت، وهي مدن تجمع العقول الرقمية في مبادرة رائعة من الدول النفطية، والتي تسعى الى الريادة في القطاعات الاستراتيجية، كما هي رائدة في تخصص الطاقة. ونحن اليوم أمام مبادرات سعودية رائدة، فهذه مدينة المعرفة في المدينةالمنورة، وهذا مركز وادي الظهران للتقنية، وهذه مدينة التقنية والمعلومات في شمال مدينة الرياض، وبالرغم من كون هذه المشاريع عقارية في الدرجة الاولى، قد استنفدت ميزانياتها في الحديد والاسمنت، الا انه يجب أن يكون لها دور رقمي استراتيجي للمملكة في المستقبل البعيد بالاضافة الى الربح المادي لاصحابها في المستقبل القريب.