الأقمار الصناعية والفضائيات هي حديث الناس هذه الأيام. حوادث إغلاق واعتداء تعيد الجدل إلى الرقابة على القنوات الفضائية وجدل إطلاق الأقمار الصناعية، وتعيدنا إلى السجال حول حرية الإعلام والشرائح المستهدفة في الطرح الإعلامي ما بين الشعبي والنخبوي. وانتقلت الحرب بين المؤسسات والسلطات ومابين أصحاب القنوات إلى الفضاء، حيث تسربت تصريحات صحافية عن عزم مجموعة من الإسلاميين على إطلاق قمرٍ خاص بهم بعد حوادث إغلاق قنواتهم وتولى الإعلان عن هذا المخطط المحامي وثيق الصلة بالجماعات الإسلامية منتصر الزيات. قبل فترة نقلت صحيفة «العرب» القطرية عن إطلاق قطر للقمر الصناعي «سهيل»، ويخشى البعض من تحوّل القمر القطري إلى ملاذ لقنوات متشددة ربما تجد فيه الراحة التامة. كما تعتزم الجزيرة إطلاق قنوات جديدة وحديثة، وكل يوم تولد قناة جديدة هنا وهناك، وأغلبها يستهدف الشريحة الشعبية العادية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل من الممكن أن نخضع الإعلام والفضاء ومسار الأقمار لمجموعة من النظم والنظريات النخبوية؟ وهل يمكن أن تحاصر المؤسسات الإدارية فوضوية القنوات المنفلتة سواء كانت إسلامية أو قنوات تسلية شعبية؟ أعتقد أنه من الصعب تحويل الفضائيات إلى قنوات فضائية نخبوية، فهي بالأساس أسواق مفتوحة كما يصفها «إريك ميغريه» في كتابه:»سوسيولوجيا الاتصال ووسائل الإعلام»، والقنوات لا تستهدف النخبة، وإنما تستهدف الجماهير والشرائح العريضة من الناس، لأن «النخب» موقفهم موقف المتفرج والناقد لما هو مطروح، أما الشعبي فهو منسجم ومندغم في سياق الحركة المضمونية للفضائيات التلفزيونية، لهذا من النادر أن تجد بروفيسوراً في الرياضيات يشارك في حلّ لغز بإرسال «SMS» على قناةٍ من القنوات الشعبية. إذن؛ لا إرادياً تتنحّى النخب عن تأثير الإعلام الشعبي، ويقتصر دورها على النقد والمتابعة والفرجة، وأحياناً تستعين بعض القنوات التي تستقطع وقتاً للجدية بأولئك النخب لغرض التحليل أو العرض. غير أنه حضور لا يمكن أن يوازي ظهور «النجوم» في شتى المجالات الذين يتوافرون على شعبية كبيرة من قبل الجماهير المشاهدة المستعدة للفرجة والانسجام الكلي. إن حوادث الاعتداء أو الإغلاق؛ تعبير عن نزاع سلطوي على «الجماهير» هناك سلطة تريد أن تحتكر التأثير على الجمهور، لكنني ومع اختلافي الشديد مع ما هو مطروح في القنوات الإٍسلامية التي أغلقت غير أنني أعوّل على الحرية الإعلامية، الصواب، أن نحفّز الجماهير ونخبرها بالقنوات التي تستحق المتابعة من دون أن نتسلط بالبطش أو الإغلاق. الجماهير يجب أن تصل إلى مستوى من التثقف والتحضر والوعي لدرجة أنها تهجر تلك الأسواق الفضائية المغشوشة ذات الطرح الرديء حتى تنقرض من نفسها من دون ضرب أو إغلاق، هذا هو الأسلوب المتحضر. الباحثة ثريا جعيبس، في كتابها «التلفزيونات الفضائية العربية» تشير إلى أن: «إعادة تركيب الفضاء الإعلامي الإقليمي، إنما تضعف الدول، بحيث تقود إلى تحديث العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني في البلاد العربية. وبالفعل، إن هامش حرية الدول قد وجد نفسه، منقوصاً بحكم الإزالة التامة للحواجز والتقسيمات في أقاليم البث». إن إشكالية البثّ الإعلامي لن تنتهي، لأنها مرتبطة بعقود متعددة أبرزها: «الحرية» و «السلطة» و «الثقافة» والرقابة والتحذير والتهديد والوعيد لن تنتج مجتمعاً واعياً، وإنما الثقافة المفتوحة والحرة والواعية هي التي تمنح المجتمع فرص الاختيار. إنها مرحلة هياج في التعبير جاءت بها فتوحات التقنية ولا يمكننا أن نواجه «تسونامي» التقنية بالحديد والنار، بل يمكننا مواجهته بالتوعية وبهجر الدكاكين الرديئة ليزحف الناس نحو التسلية الجميلة وبرامج العائلة والأفلام والمباريات من دون الاضطرار إلى الإنصات لمتخاصمين حول قضايا مضى عليها أكثر من ألف سنة.