كثيراً ما نتساءل في أنفسنا عن العلاقة التي تجمع بين الشعر والسحر كممارستين إنسانيتين، وكثيراً ما تبزغ في أذهاننا عدد من الحالات التي ترتبط فيها كلا هاتين الممارستين؛ إما فيما يتعلق بكتابة الشعر وآلية هذه الكتابة، أو فيما يخص الصورة التي يتم فيها تلقيه للمرة الأولى.. وهذا ما يحدث أيضا مع السحر، باعتبار أن الارتباط بينهما أزلي ومتشابك!!. ومنذ سنوات العمر الأولى وأنا أطارد في صحراء التأمل هذه الأسئلة وأحاول اللحاق بها، أو التعرف على المصدر الذي يمكن أن يحل إشكالية دورانها في داخلي، فكنت ومازلت أرى أن تعريف السحر على أنه الإيحاء مرتبط أيضا بتعريف الشعر وبمهمته باعتباره نوعاً من أنواع الإيحاء أو هو الإيحاء بحد ذاته، وبخاصة الشعر الذي يتكئ على الرموز والدلالات غير المباشرة، وأقول بأن الشعر ذا طبيعة سحرية تتماوج فيها الحالات وتثير في النفس شيئاً من الشعور الغامض الذي يتنوع ويتمدد ليصبح شعوراً قادراً على أسر النفس والسيطرة عليها وهذا ما يفعله السحر في النفس وربما العقل أيضا، وما يرتبط في صناعة كليهما من علاقة مع قوى غامضة (القوة الإلهية هي القوة الوحيدة القادرة على الإلهام) في ثقافات عديدة. ولعل البحث الوحيد للناقد الدكتورالمناعي مبروك الذي تناول العلاقة بينهما كان يرصد ملامح هذه العلاقة ويرى أن النصوص الكبرى تلغي الفوارق بين هاتين الظاهرتين، حيث يشير على حديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم (إن من البيان لسحراً وإن من الشعر لحكمة..)! وهنا يمكنني القول: إن البيان يمكن أن يكون له علاقة بالسحر حتى وإن لم يكن عبر قالب شعري، إلا أن الطبيعة الشعرية تتسع لتشمل عددا من جوانب المقارنة ويحوز الشعر على أكثرها. ويرى الناقد مبروك المناعي أن هناك سمة مشتركة بين الشعر والسحر، "فكلاهما يحققان تعبئة نفسية كبرى، وتركيزاً ذهنياً حاداً". وفتنة الشاعر والساحر لغوية خالصة، حيث تظهر أهمية نجاعة اللغة في الحضور الكثيف للملفوظ، وهذا ما يفسر اعتماد السحر على اللغة أكثر من اعتماده على الحركة. وينبهنا إلى جدلية العلاقة بين التخييل والسحر؛ فإذا كان التخييل عملية سحرية، فإن السحر عملية تخيلية. كما يلحظ الناقد أهمية الموسيقى بوصفها وسيلة مشتركة بين الشعر والسحر، فالنغم الشعري الموسيقي يعكس هندسة الذات عند الشاعر والساحر معاً. ويتوقف الباحث عند مفهوم الإلهام الشعري، ليجد أن التصور العربي الأول لعملية الإبداع الشعري، جعلت الشاعر والساحر، يلتقيان على شفا عالمين، عالم الإنس وعالم الجان. ويمكنني أن أضيف إلى ذلك ما أشار إليه القرآن الكريم، حينما أكد أن الشعر علم كأي علم يمنحه الله عز وجل لمن يختاره حينما قال: "وما علمناه الشعر". وكل هذا لا يعني أنهما مرتبطان ببعضهما وأن الشعر كان نتاج قدرة من الجن (وادي عبقر)، فلكل ظاهرة منهما طبيعتها وللشعر سحره الخاص وجماله وهو إبداع إنساني ينأى بعيدا عن السحر الذي هو علم للإسلام موقفه الواضح منه. عبق أخير: نامت قصيدة وانثنى للغيم برق سفوحها وايدك على ثلج البياض الهامشي مسراحها نامت ورى الظل وعصافير الغياب نزوحها لبلاد عاد الراعي بدمه يخيط اوشاحها