شاعر عربي كبير فاره وعبقري، يدلك على نفسه قبل أن تسأل عنه، البارعون لا يحتاجون إلى مزيد من التحلي بالبريق، فالفذ يسكنك قبل أن تراه ويعمرك قبل أن تهدم حواجز البينية، شاعرنا الكبير محمد الفيتوري التقيناه في الدوحة وجرى معه هذا الحوار القصير والمكثف: ٭ «ثقافة اليوم»: في شعرك فلسفة يكتنفها الغموض، إذ ترة ما تركض نحو سطح الأرض تفتش في حقول الفكر السياسي وتارة تشخص إلى الفضاء محلقاً في سوانح الذوات الهائمة، وتارة يقبض على يدك الهاجس المتجرد من التصنعية والتشكلية، فأنت منتم تارة وغير منتم تارات أخرى.. هل كنت على وعي بهذه التنقلات المشبوبة بين تضاريس المجادلات السياسية والطقوس الشعرية؟ لأي شيء كنت تخطط وتمضي؟ - ابداً.. ابداً لم أكن أخطط لشيء لقد كنت أشبه بنبع تفجر في أعماق الأرض ولم يكن - كما ذكرت - لدي أي وعي سياسي أو حتى اجتماعي.. فجأة وأنا أبحث عن ذاتي عثرت على جوهرة العذاب، عثرت على ما هو أهم من الكدح للمعيشة والبحث عن المعلقات السياسية والنمطية الحياتية الخالية من الحياة. ٭ «ثقافة اليوم»: الباعث الشعري أصبح كذبة اكتشفها الشعراء أنفسهم قبل النقاد والقراء، برأيك ما الذي يثير الاحساس بوجود القصيدة وكيف للفرد منا أن يثق تماماً في أن بواعث الإلهام يمكن لها ان تُدال بحرباوية المشاعر، متى شعرت بأنك في حاجة إلى تمزيق وثيقة وادي عبقر؟ - في لحظة من لحظات غروري البشري ظننت ان بامكاني كتابة ما أشاء وقت ما أشاء ومن ثم أعلنت في احدى كتاباتي أني لا اعترف بما أطلق عليه النقاد والأدباء والشعراء مصطلح الالهام الشعري وعبقر الشعر، إنها لحظة من لحظات الانتصار للشاعر ان يكتشف أن شاعريته ليست ذات قيود. ٭ «ثقافة اليوم»: تموج الجمل الشعرية في دواوينك بكلمات مستديرة الشكل إنها أشبه ما تكون بالصرخات التي يستدير لها فم المستفهم ونافث الآهات، إلى أي مدى تحررت في داخلك من سطوة الكلام وما الذي يمكن أن تصنعه الجمل المبحوحة عندما يهم الجلاد بسلخ الجلود؟!! وعندما يهم الجبار بكسر الجبيرة؟!! وعندما يهم السفاح بتفجير السفوح؟!! هل يمكن أن يحمل الشاعر الصراخ في يديه ليعيد النهار للطريق؟ - جميل منك ان تستشعر هذه القيود وتنافح بسؤالك عن المسحوقين وأشعر بأن في داخلك قيداً يقودك للعطاء فقط أكثر من قيد يقودك للابداع، ان الجُمل باستطاعتها ان تبرئ نفسها عندما تقال. وأنا لا قيمة لأشعاري إطلاقاً ما لم تقف ضد الظلم والاستغلال وإهانة الكرامة وسحق المعاني الإنسانية والمثل والقيم، ان شعري ثورة على (أنا) المسترخية على (أنا) المستكينة وهذه القصائد لا تتخفى عن أنظار الجلادين والسفاحين والجبابرة ولكن ان شعرت ببحة في صوتي فأعلم انها بداية الحديث لا نهايته.