ما أكثر ما تتم مناجاة المرتفع والتل والجبل من قبل الشعراء ومحبي البر والأرض الفسيحة التي تمتد امتداد الأفق خاصة من شعراء البادية وساكني الصحراء حيث ارتباط معها منذ الولادة وحيث تحفر الذكريات حروفها في قلوبهم هناك ، وما أكثر ما يستجيب المتلقي أيضا لمثل هذه المناجاة النابعة من قلب يعشق مكان ذكراه ومسرح طفولته ، ولأنها أيضا قصائد في حكم خطاب الغائب لا المخاطب حيث يقصد الشاعر توجيه مشاعره نحو المجهول فيأخذ حرية في تعبيره وهو يعني به إسماع المتلقي . ولعل في قصيدة الحداء للشاعر خالد الدوسري ، ما يعطي الصورة التي يكون فيها الشاعر في لحظة ما ، يميل إلى أن ينفرد في مرتفع التل أو قمة الجبل حيث العلو والفضاء الفسيح الذي يستحث قريحة الشاعر أكثر مما لو كان في منبسط هابط من الأرض أو في بنيان ومكان محدود المساحة . إنه الإحساس الذي ينطلق ليحتضنه الفراغ أمامه حيث لا صدى يعيده ولا حواجز تحد منه ، إنه تعبير صاحب هذا الإحساس عندما تكون هذه رغبته وأمنيته وقمة صفاء شعوره لكي يقول بوحه لنا ، والقصيدة تبدأ مباشرة بمناجاة الضلع وهو الجبل . يقول فيها: يا ضلع جعل الغيث يسقيك نوه من مزنةٍ غرا مطرها رهاوه ضلعٍ إليا زاد الدهر زاد قوه ما جاه من طول الليالي رخاوه ضلعٍ اليا سقت القدم في علوه جلست لي في مجلسٍ له طراوه عقب البطى شوفة فياضه وجوه يبعد عن القلب الشقي الشقاوه بيني وبينه خوةٍ وأي خوه خوة قسى ماهي بخوة فضاوه وان بار في الرفقة قليل المروه في قمته شفت الوفا والحفاوه ناس على الهفوات فيهم جروه تركض لجمع المال ركض الفلاوه نظراتهم للمال كثره وشوه المال مقياس الغلا والعداوه رجلٍ بليا مال كل عدوه وراعي الكنوز الطايله في النباوه والمال كم شيّخ من الناس بوِّه لو كان ما يسوى من القدر ماوه والقل كم لوى مذارع فتوَّه هو من هل الردات وأهل الصخاوه يضحك على الطيب ردي الربوَّه طيور شلوى بيدتها الصعاوه من الحسد قام يحذف ويتفوه وبيته لصلفات الهبايب مفاوه ناس مشوا على الطريق المتوه صلى بهم من لا يعرف التلاوه ممشى الفتى في خايعٍ سال توه قفر عليه من الحباري حراوه يبعد عن الأنذال ويشب ضوه ويحط منزاله براس العلاوه يبرد بها صدره ويرفع سموه ويشوف للدنيا طراه وحلاوه ففي قمة الجبل يرى الشاعر أنه يجد المروءة والوفاء ، يطمئن هناك حيث الصحبة وعدم التغير ، والثبات على الصفاء والالتزام بالموقف ، بعكس بعض الناس الذين لا يلتزمون بالصداقة ولا يعرفون المروءة والوفاء وأحوالهم متبدلة بين الجفاء والجحود والنكران ، وهو بهذا يوجهنا ولا يعني الجبل في حد ذاته وإن كان يجد متعة في الخلوة هناك وفي المكان الرفيع الذي يذكره بمكانة كل وفي صدوق ، لكنها في النهاية رسالة مطروحة أمامنا لكي نستقي منها الفضائل التي ربما غلبنا عليها الجماد وقمة الجبل وذلك المكان المرتفع . والمكان المرتفع يوحي دوماً بضرورة اختيار الشخص لصحبته من رفيعي المقام والخلق ويبعد عن الأنذال والدناءة ، حتى ولو بقي وحيدا في مكان قفر يستدفئ بناره ويسعد بقصائد وبوح مشاعر يناجي فيها تلك الجبال والمرتفعات وهو في بيت الشعر يكني باختيار الطيب من خصال الرجولة وطيب الخصال والأخلاق الرفيعة الحميدة : يبعد عن الأنذال ويشب ضوه ويحط منزاله براس العلاوه