قبل نحو سنة من الآن استرخى رئيس الهلال الأمير عبدالرحمن بن مساعد على كرسيه في منصة استاد الملك فهد وتضاريس وجهه تعرض ألما يعتصر قلبه على الهزيمة من أم صلال، تلك الهزيمة المرة التي تسبب بها تراخي اللاعبين لأنهم لم يبالوا بالفريق المقابل. الصورة ذاتها تكررت مساء الأربعاء، وقف الأمير عبدالرحمن بن مساعد يتحدث للقناة الرياضية السعودية بعد أن خاب أمله مرة أخرى في فريق كرة القدم الذي خرج مجددا من مسابقة كأس آسيا حينما هزم في نفس المكان من ذوب آهان الإيراني، تماسك ووقف متكئا على عصاه، أخرج زفرة ألم من صدره راضيا بقضاء الله وقدره، تحسر على ما حدث وأعلن الرحيل، طلاق الرياضة إلى الأبد، ردة فعل طبيعية على ما حدث، خيبة الأمل نطقت بها كل خلية في وجهه، في ذلك الحديث على غير العادة لا يكاد الميكرفون يلتقط نبرات صوته، فقد خرج ضعيفا بعد أن كان صوتا جهورا، أعلن أنه يتحمل المسؤولية كاملة، لبس ثوب المثالية، وهو الثوب الذي لم يخلعه منذ أن دخل النادي. جمهور الهلال حضر ليفرح فصدم بالخروج المر لسان حاله كلسان حال ملايين الهلاليين قالت بعد اللقاء: أحلام تبخرت، وقلوب تكدرت، ووجوه تعبرت! واقعا: هل يتحمل الرئيس المسؤولية فعلا، أم أنها شجاعة منه؟! يعلم الجميع أن الهم الذي يحمله الرئيس على عاتقه، هدفه الرئيس بطولة آسيا، ومن ثم المشاركة في نهائي كأس العالم للأندية، وهو المطلب الهلالي الملحّ، كان وتد الرحى الذي يدور حوله، حتى أنه ربط بقاءه بانتهاء هذا المشروع، هدف الرئيس علم به كل الهلاليين فصار هما للجميع، وبما أنه كذلك صار مشكلة نفسية مؤرقة، وزاد من الضغط الموقف المؤلم الذي حصل في المسابقة الماضية حينما أقصي الهلال من أم صلال القطري، ذلك الفريق المغمور، وكانت صدمة كبيرة، ظلت الأزمة النفسية تتضخم مع مرور الوقت، ويزيدها انتفاخا ترداد المطلب في كل ثانية، وضعت أمام الهلاليين المعادلة التالية: (الهلال + كأس آسيا = حياة، الهلال _ كأس آسيا = وفاة)، ومع مرور الوقت دون تحقق الهدف يقترب الأجل، إذن لا بد من تسريع العجلة لتصل في الوقت المناسب، لكن السرعة قلبت العربة!! كل سنة هي نسخة من التي قبلها .. تسبب الهم الذي يعيشه الأمير عبدالرحمن بن مساعد في إثارة التوتر في صفوف الفريق، وبالتالي إرباك المخطط، ومن أجل ذلك سار الفريق بوقود (مؤقت) يوصله إلى البطولة فحسب، لكن الوقود نفد قبل المحطة الأخيرة! كان كل عطل يخدر ولا يصلح، لنأخذ المدرب (غريتس) مثالا على ما يحدث، ظل يعامل من قبل إدارة الهلال كطفل يسلى حتى تحضر والدته، كل شيء وضع بين يديه لئلا يرحل حتى يكمل المهمة الأصعب، المهم أن يحضر الكأس، وبما أنه كذلك صار هو الشغل الشاغل، وصد عما هو أهم! جمهور يُخذل! خيبة الأمل تلقى صفعتها جمهور الهلال العريض الذي حضر إلى الملعب والذي لم يحضر، جمهور عريض ظل يمني النفس بالحصول على كأس آسيا، وفي كل موسم يحضر بقضه وقضيضه وآماله تسبقه، ثم يصدم بلاعبين كالورق يخذلونه في أسهل المباريات! لم يقصر جمهور الهلال بتاتاً في تقديم كل ما يستطيع من دعم، كتبات تشجيعية، وأصوات ترفع المعنويات، وحضور كثيف يشهده أي موقع يحل فيه الهلال، في الرياض وخارج الرياض، حتى في الدول الأخرى، أيضا دعم مادي يصبه في جيوب اللاعبين بشكل غير مباشر عبر شراء التذاكر وشراء بطاقات الاشتراكات وغيرها، لم يجد وقفته الجادة الصادقة سوى جحود من أشباه لاعبين هَمُّ معظمهم (الراتب) والمكافآت، لا الإخلاص للشعار "الأزرق"! كما أن الجمهور الأزرق تفاعل إيجابيا في دعم اللاعبين ومؤازرتهم، يمكن له التفاعل كذلك بمحاسبة اللاعبين، ليقاطع مبارياته، أو ليهتف ضدهم في بعضها ليدركوا أنهم سيحاسبون إذا ما قصروا! جيرتس سقط في النهائي الكبير ألم يخلق غير غريتس؟! ثمة سؤال أطرحه على إدارة النادي التي قاتلت من أجله: ألا يوجد في العالم غير هذا المدرب؟! هل كان الهلال في الدرجة الثانية ثم قاده (غريتس) إلى البطولات؟! خاض الهلال طيلة الأشهر الماضية حربا في جميع الجهات لكي يبقى، اجتماعات، واتصالات، وإغراءات، ومحاولات، وسفريات، (سامي الجابر يسافر إلى المغرب في محاولة لتأجيل رحيل المدرب، سامي يعود من المغرب حاملا البشارة!)، كل حديث إعلامي للرئيس يطرح عليه السؤال التالي: بشرنا يا سمو الرئيس، هل سيبقى غريتس؟ ثم تأتي البشارة من سموه: نسعى لحلها، ونأمل خيرا، صار الفريق في كفة، وبقاء غريتس في الكفة الأخرى! لم يعد للمدرب (الداهية) مكان في النادي بعد أن وقع عقدا لتدريب منتخب المغرب (سرا) قبل أن ينتهي عقده مع الهلال بسنة! يفترض أنه سرح مباشرة وفرض عليه الشرط الجزائي، فالذي خلقه خلق المئات غيره، بل إن بقاءه ساهم في انشغال الإدارة به، وتوتر اللاعبين، أما هو فجسمه في الرياض وعقله في المغرب، والدليل ما حدث في لقاء الإياب مع الغرافة من تخبط واضح كاد أن يقتل الهلال، وأكمل الناقص مع ذوب آهان الإيراني! لقد حذرت شخصيا من خطورة بقاء غريتس في مقالات عدة لي شخصيا، كما حذر كثير من الزملاء، لكن: لقد أسمعت إذا ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي! وها هو المدرب البلجيكي يرمي الهلال ويذهب إلى موقع جديد يعمل فيه أربع سنوات قادمة، ولن يكترث بما حدث!! مدرب لا يستطيع التعامل مع مثل هذه المباراة ما قيمته؟! كان يسير مع الفريق بمجهود يبذله اللاعبون، وخطة (تمشي الحال)، لكن حينما يجد الجد، وتأتي المباريات التي تتطلب تفكيرا عميقا يفشل بوضوح، واسألوا مدربي الغرافة وذوب أصفهان!! رحل (غريتس) بلا رجعة، وسيرى الهلال النور بعد رحيله كما أجزم! أزمة استقالات ستتسبب الاستقالة التي أعلنها الأمير عبدالرحمن بن مساعد في أزمة داخل أروقة الهلال، فهي حدثت في وقت احتدام مسابقة الدوري، وتزداد المشكلة إن تبعته استقالات أخرى لنائب الرئيس وبعض الإداريين (وهو متوقع جدا)، ليضافوا إلى ابتعاد المدرب في هذا الوقت الحرج، وستؤثر سلبيا على الفريق. إضافة إلى الحجم الكبير الذي يشغله الأمير عبدالرحمن، إذ أنه من الصعوبة أن يأتي رئيس يحل محله بنفس المواصفات أو أفضل، فإن الوقت غير مناسب لرئيس جديد يأتي، لكون المرحلة الحالية لا تتحمل تغير المنهج الإداري كما تغير المنهج الفني. الكوري لي يونج طرد في اللقاء لعل إعلان الأمير عبدالرحمن بن مساعد عن استقالته هي ردة فعل لخروج الفريق من آسيا، ثم ما يلبث أن يتراجع عنها بعد إلحاح يوجه إليه من محبي الهلال. لاعبون كقطع الثلج؟! في لقاء (قطع الرقبة) على استاد الملك فهد الدولي بالرياض أعادت الدورة نفسها، فخر الهلال صريعا بين جماهيره، حضرت لترفعه فإذا هي تغسله وتكفنه، ثم تدفنه، وخارج الملعب وقفت تتلقى فيه العزاء! خيب اللاعبون آمالا عريضة رسمت، لم تتحرك هممهم لإرضاء نحو سبعين ألف متفرج قدموا من كافة أنحاء المملكة ينتظرون منهم نبع إبداع يتفجر، وملايين تتفرج عليهم خلف شاشات التلفزيون، كانوا باردين كثلج الإسكيمو، الذي حدث في ذلك اللقاء: أجساد تحركت بلا تنظيم وكأنهم اجتمعوا قريبا لأداء مباراة استعراضية، ثم انفض العرض وذهب كل إلى فراشه، حدث هذا لأن الخطة رسمت في الهواء ببخار الماء! في ذلك اللقاء نام الحارس الإيراني تسعين دقيقة لأنه لم يجد كرة تضرب في جسده لتوقظه، مجرد قمصان تتحرك، وهل يرجى من فريق يؤدي بذلك الهزل أن يسجل، ثم يفوز؟! هل انتهى الأمل؟! ما أحيط به الهلال خلال الفترة الماضية من استعداد لهذه البطولة جعله رهين كأس آسيا، إن حققها سيفتح شهيته ليلتهم كافة البطولات، وإن لم يحققها فسيصاب بفقدان شهية، وربما مرض يبقيه طريح الفراش! أثَّر عدم حصول الاتحاد الموسم الماضي على كأس آسيا تأثيراً سيئاً رغم أنه وصل إلى النهائي، فقد ابتعد عن جو البطولات، وتسبب في إثارة بلبلة داخل النادي كان نتيجتها إبعاد الرئيس خالد المرزوقي حتى رمم وضعه أخير بحصوله على كأس خادم الحرمين الشريفين. ما حدث في الاتحاد قد يحصل في الهلال، ولذا يجب أن يتدارك الجميع الأمر مبكرا بترميم الفريق عاجلا لإعادة توازنه بدءا من مسابقة الدوري.