كنتُ قد كتبتُ في الأسبوع المنصرم عن الشفافية التي كانت بلادنا تتمتع بها على مستوى المسؤول من قمة الهرم وحتى سفحه ، مما جعلها أسلوبا للعمل والإنجاز ، حتى شارك فيها المواطنون دون خوف أو" اتهام بالتجني وإعاقة المشاريع الطموحة " بل إن بعض المسؤولين لم يكونوا يستطيعون مصادرة حق المواطن في المساءلة والانتقاد لأنه هو المستهدف بالمشاريع التي تقام ، وأجدني هنا أضرب مثالاً واحداً من الأمثلة الكثيرة التي كانت ترد في صحيفة أم القرى من مقالات الكتاب وشكاوى بعض المواطنين تتضمن تساؤلاتهم ونقدهم للعمل الحكومي ، وذلك كالخبر الذي أوردته الصحيفة من أن بعض المواطنين قرروا التبرع بقرش للمساهمة في المشاريع التي تقام، فأنشأوا جمعية سميت جمعية القرش في العام 1936 ، ووضعوا لها نظاما نشرت مواده في الصحيفة ، كما كانت الصحيفة تنشر أخبار التبرعات التي ترد للجمعية مما يدل على الشفافية من قبل المسؤولين ! ومثل ذلك عدم مجاملة المسؤول عن الأموال فكانت تنشر مقالات تتساءل عن المشاريع التي أنشئت من المشروع ! وتساؤلات المواطنين عن تلك المشاريع من خلال صندوق شكاوى الجريدة ، مما يؤكد أن مبدأ الشفافية، وحق النقد والمساءلة ثقافة كانت مترسخة في نفوس المسؤولين ولم يزعجهم ذلك حدّ الإيعاز بالكتابة ضد من ينتقدهم " تشكيكاً في نواياهم ، واتهاماً بالمكابرة والغوغائية ، وعدم المصداقية القائمة على الإفلاس في جانب المادة والبراهين ، وعدم الأمانة في التناول ؛ لتجذر الرواسب التربوية التي تتنامى بسبب الاطمئنان لعدم العقوبة المادية " حسب ما كتبه أحدهم مؤخراً عن منتقدي هيئة الاستثمار ! إن معظم من دافع عن الهيئة كتب ما يشبه الإعلان المدفوع الثمن عن إنجازاتها وما قدمته للوطن ، دون التعمق في سوء الفهم من قبل الهيئة فيما يطرحه الكتاب واعتبارها ما يُكتب موجهاً لأشخاص المسؤولين فيها ، وليس لأدائهم كما هو الشأن مع جهات حكومية أخرى تنشر بعض الصحف المحلية هذه الأيام سلسلة مقالات تُعرض بالكتاب الذين انتقدوا عمل هيئة الاستثمارات العامة ، وتستميت في الدفاع عن وجهة نظرها باتهام الكتاب في وطنيتهم وفي دوافعهم دون دليل مادي ، حتى وقع بعض أولئك المدافعين فيما اتهموا الكتاب به من كونهم يفتقدون " أهم عناصر الكتابة والحكم والدليل والبرهان "! إن معظم من دافع عن الهيئة كتب ما يشبه الإعلان المدفوع الثمن عن إنجازاتها وما قدمته للوطن ، دون التعمق في سوء الفهم من قبل الهيئة فيما يطرحه الكتاب واعتبارها ما يُكتب موجهاً لأشخاص المسؤولين فيها ، وليس لأدائهم كما هو الشأن مع جهات حكومية أخرى ، والأسوأ في مثل هذا الطرح هو اتهام الكتاب بالتغاضي عن القضايا والإشكالات التي يموج بها مجتمعنا وقصر مقالاتهم على نقد هيئة الاستثمار! وهذا تجنٍ كبير على الكتاب فالذين انتقدوا أداء هيئة الاستثمار هم أنفسهم الذين انتقدوا المناهج الدراسية وسوء مخرجات التعليم ، وأداء وزارة العمل ووزارة التجارة وزارة الصحة والهيئة العامة للسياحة وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمحاكم والبنوك والجمعيات الخيرية والأنشطة الصيفية ، ناهيكم عن السعودة والتستر والعمالة الأجنبية والفقر وغلاء المعيشة ، كما كتبوا عن قضايا اجتماعية كتوظيف النساء و الاختلاط وتزويج القاصرات ، وقضايا المرأة من طلاق واغتصاب حقوق وعنف الأولياء ، وكانوا أكثر من كتب عن الإرهاب والتشدد وبرنامج المناصحة ، فلم يكونوا انتقائيين ، ولم تتهمهم تلك الجهات بما اتهمتهم به هيئة الاستثمار عبر المدافعين عنها ، بل كانت تسارع بالرد والإجابة عمّا يطرحونه من أسئلة ، كما كتبوا عن المشاريع الكبرى وساندوها كتوسعة المسعى ، وجامعة الملك عبدالله ، وحصر الفتوى في هيئة كبار العلماء ، واعتداء الحوثيين على حدودنا ، والحوار الوطني ، وحوار الأديان ! فهل هذه الأقلام كما وصفها أحدهم قد صامت بشكل مذهل عن كبائر هنا وهناك ؟ وهل تعامت عن الأخطاء وسعت إلى إثبات الأوهام وتضخيمها ؟ كنت أربأ بمن آمنّا يوماً برؤيتهم الواضحة وحججهم الناصعة في قضايا دينية خلافية ، أن يحملهم الحماس دفاعاً عن الهيئة إلى رمي الكتاب بما رموهم به ، واستعداء السلطة عليهم بطلب العقاب والمحاسبة كالخارجين عن القانون ، وكأنه ينبغي للكاتب أن يكون مادحاً فقط وإلا فإن ما يكتبه ليس إلا لغطٌ " وجناية مكتملة الشروط والأركان لا رصيد لها سوى تطاول القلم على طموحٍ وطني ... ومكابرة تتحدى الأدلة " حسب الرأي إياه ! وهنا أتساءل ما أهمية الكتابة في الشأن العام ؟ فإن لم تكن النقد والمساءلة والمطالبة بالنزاهة والشفافية التي دعا إليها الملك حفظه الله ، فما عساها أن تكون ؟ وهل تتعارض الكتابة حينها مع الوطنية ؟ ثم هل يجوز أن تُرمى فئة كبيرة من الكتاب بهذه التهم من أناس تعلموا وعملوا في إطار منظومة العدل التي لا تجيز أن تُلقى التهم جزافاً ، وأن يُشكك في الأهداف والمقاصد؟ إني أعجب كثيراً من أولئك المدافعين إذ انصب اهتماهم على مهاجمة الكتاب والتشكيك في نواياهم " بإعاقة الآمال والطلعات الوطنية " ، وأنهم " الأكثر إفلاساً مادة وبرهاناً واستنتاجاً " ! وكيل المدح للهيئة وكأنها المتفردة في التنمية الوطنية وما تقوم به من أعمال لا تماثلها فيه المؤسسات الحكومية الأخرى ؛ ، لكنهم في ذات الوقت - حسبما تقتضيه الموضوعية التي طالبوا الكتاب بها - لم يكلفوا أنفسهم عناء قراءة ما كتبه أولئك الكتاب بحثا ً عن الأسئلة التي طرحوها على الهيئة ولم تهتم بالإجابة عنها . ولعلي هنا أستشهد بما كتبه راشد الفوزان في هذه الجريدة من قوله : (لم يكن نقد هيئة الاستثمار لأي شيء آخر عدا التقويم والنقد ومصلحة هذه البلاد ومواطنيها والبحث عن الحقيقة، وليس هناك جبهة مهاجمة للهيئة لمجرد المهاجمة والنقد من لا شيء ، قد تحدث تجاوزات بالنقد غير الموثق ولكن في النهاية يجب النظر بإيجابية لها، وهناك من تزعّم الدفاع عن هيئة الاستثمار أكثر من دفاع الهيئة نفسها وهو يرى أن هناك إجحافا وتعديا على الهيئة وكأنها منزهة عن النقد والسؤال وحتى المحاسبة ولهم أسبابهم، ليس صحيحاً ما يحدث لو تحدثت الهيئة منذ البداية، الجميع تحت طائلة النقد والسؤال والبحث عن الحقيقة بعهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله الذي فتح الحوار والنقد للجميع دون استثناء ) الرياض 9\10\ 2010 ويرى الكاتب عبدالعزيز السويّد ( أنه منذ أن فتحت الهيئة الأبواب لما أطلقت عليه الاستثمار الاجنبي، وهي تحرص كل الحرص على عدم توفير معلومات وأرقام تفصيلية معلنة تتيح للباحثين والمهتمين الحصول على المعلومة الرسمية الدقيقة بسهولة ... ، لذلك لا يمكنك معرفة جنسيات المستثمرين ، وأين يتركز استثمارهم ، وعدد العاملين لديهم من الأجانب والمواطنين؟ إضافة الى القيمة المضافة التي نتجت عن نشاطاتهم لصالح الاقتصاد الوطني، من هنا لا يمكن الاطمئنان لأرقام تعلنها الهيئة او جهات خارجية تردد ما تقدمه لها الهيئة ) ! نقلا عن العربية نت . لا شك أنّ ما يثار حول عمل الهيئة أكبر من أن يحصيه مقال ، وأن ما يطلق من اتهامات وهجوم على الكتاب يدين الهيئة أكثر مما ينصفها ، وعليه لا زلنا نقول إن الهيئة مطالبة بكثير من الشفافية التي تضع النقاط على الحروف ، وأن تكفّ عن اتهام الكتاب فلم يعد ذلك مجدياً ، فليسوا وحدهم من ينتقد عملها فهناك كثير من رجال الأعمال والاقتصاديين وبعض أعضاء الغرف التجارية ، الهيئة مطالبة بالتنسيق مع أجهزة الدولة الأخرى ، فكلّ منها له استراتيجية خاصة كوزارة العمل والتجارة والصناعة ، وما تقوم به الهيئة لا ينسجم مع ما تقوم به تلك الأجهزة ! ولابد أن تقوم جهة حكومية كالمجلس الاقتصادي الأعلى بالتثبت من صحة الأرقام التي تقول الهيئة إنها حققتها ، وهل دخلت تلك الأموال إلى البلد حقيقة ، أم أنها مجرد دعاية وأرقام على الورق ؟ ثم لماذا لا تجمد تلك التراخيص التي جلبت لنا الدمار ولم يربح اقتصادنا منها شيئا ، ومتابعة المستثمرين الذين يتلاعبون بالميزانيات فرارا من الضرائب ؟ ثم أين الضمانات المالية التي تثبت ملكيتهم للأموال التي يستثمرون بواسطتها ثم يسحبونها بعد الحصول على الترخيص ؟ إن تقييم عمل هيئة الاستثمار صار أمراً في غاية الأهمية بعد أن شاب عملها كثير من الثغرات ، كأن تُخصص ندوة مفتوحة أو مؤتمر اقتصادي لمناقشة التجربة وتقييمها من جميع جوانبها . وأخيراً متى سترضى عنا الهيئة ؟ أعندما نكف عن انتقادها ، أم عندما نؤمن بسياستها التي لم تجب عن سؤال واحد من الأسئلة الكثيرة التي طرحها جمع كبير من الكتاب ؟!