ملك اللغة وشاعرها سعيد عقل وعملاق الأغنية وملحّنها وديع الصافي، قامتان كبيرتان اجتمعتا أمس الأول تحت «سما لبنان» في احتفال أقامته الجامعة الاميركية للعلوم والتكنولوجيا AUST في منطقة الأشرفية في بيروت تكريماً للشاعر عقل، لقاء افتُتح بعناق مؤثر ما بين الرجلين وعناق ما بين الشعر واللحن، فغنى الصافي مقطعاً من «ربّ رُدّ الأهوال» من كتاب «قدموس»، وردّد سعيد عقل مرتين بصوت عال: «يسلم تمك يا وديع». سعيد عقل الاحتفال بالشاعر التسعيني الذي لا يزال على توهجه وعنفوانه الشعري، توّج بإزاحة الستارة عن تمثال أبيض ضخم لعقل في «حديقة المبدعين» في حرم الجامعة إلى جانب تمثالي جبران خليل جبران ومايكل دبغي، بحضور ممثل عن رئيس الحكومة اللبنانية النائب محمد قباني والوزيرة منى عفيش ووزير الثقافة السابق تمام سلام وشخصيات نيابية وحشد من المثقفين والشعراء والأكاديميين وسفراء عرب وأصدقاء المكرّم ومن بينهم الشاعر هنري زغيب. بدأ الاحتفال بالنشيد الوطني اللبناني ثم كلمة ترحيب من المسؤولة الإعلامية في الجامعة ماجدة داغر. وألقت رئيسة الجامعة السيدة هيام صقر كلمة قالت فيها: «سعيد عقل بيننا اليوم، كل لبنان معنا اليوم، في مثل هذه المناسبات نبدأ بتقديم وتعريف المحتفى به، لكن كيف نقدّم ونعرف من هو غني عن التعريف؟ فإن قدّمناه قصّرنا، وإن عرّفنا به كان من باب لزوم ما يلزم. كيف نعرّف أو نقدّم من عاش ثورة شعر وحرف وفكر وشموخ، من حلّق مع نسور الشعر العالمي، ومن إذا فكّر استرجع مجد لبنان عبر التاريخ، ومن إذا مشى لامست كتفاه السحب؟»أضافت: «سأختصر وأقول، لا نكرّم شاعرنا الكبير اليوم، بل هو من يكرّمنا، ولا نحتفل اليوم بتمثاله في حديقة النبوغ اللبناني إلى جانب جبران خليل جبران ومايكل دبغي، بل نحتفل لكونه اختار جامعتنا لتكون حاضنة لذاكرة لبنان له.. سعيد عقل بيننا فافرحي يا جامعتنا، وليكن لك من هذه اللفتة عبر، فهي لفتة ثقة ولفتة محبة ولفتة تقدير، من الذي لم يرتضٍ وساماً ومن الذي بشّر لبنان عظيماً وعملق أبناءه بالتاريخ، فكيف لنا أن نكرّمك، أنت الذي كرّمتنا، وأنت من قال «نتحدى الدنيا شعوباً وأمصاراً ونبني أنّى نشأ لبنانا»؟ وتحدث السفير السابق فؤاد الترك عن عقل «المتربع على عرش الشعر والنثر والأمير على المنبر»، وقال: سعيد عقل وكفى، هو المجرد من الألقاب والتسميات والنعوت ليصبح الاسم وحده النعت والتسمية واللقب، هو الذي اعتذرعن قبول الدكتوراه الفخرية التي شاءت جامعات عديدة منحه إياها، وعن قبول الأوسمة الرفيعة اللبنانية والأجنبية التي عُرضت عليه من دول عدّة، إنه العالم والفيلسوف واللاهوتي، المتعدّد المعرفة والنبوغ والعبقرية. هذا الشلال من القيم والشيم، هذا المفتون بالحق والخير والجمال، هذا الذي أخذت عنه الأجيال أن لبنان لا يقاس بالديمغرافيا والجغرافيا بل بالتبادع والجودة والنوعية والاشعاع، وبمدى قدرته على الإسهام الحضاري، وبالطموحات والرؤى، وأخذت عنه كيف تحلم وكيف ترنو دوماً الى ما هو أسمى وأرقى، وإلى ما هو تجدّد وابتكار واستضاءات عقل، وكيف نحب هذا اللبنان مقيماً ومنتشراً، وأخذت عنه كيف تكون النبالة والمثل العليا، وكيف يكون الشرف، وكيف تكون الكرامة وكيف يكون الكرم، وكيف تكون النصاعة والنقاوة، وكيف تكون نظافة الكف وشمخة الرأس، وأخذت عنه أن لا تتحكم فينا شهوة المال ولا شهوة السلطة ولا شهوة الجسد، وأخذت عنه أن الحاكم العظيم ليس ذلك الذي اعتنق مبدأ أن السياسة فن الممكن بل ان السياسة فن المستحيل، وأخذت عنه كيف نتجاوز طوائفها وأنانياتها ومصالحها لنلتقي جميعا عند الاله الواحد الأوحد الصمد وعند هذا الوطن الذي اسمه لبنان. ثم ألقى الشاعر جورج شكّور صديق المحتفى به منذ أكثر من نصف قرن قصيدة باسم «أصدقاء سعيد عقل»، ووزعت طالبات الجامعة كتاب «سعيد عقل إن حكى» للشاعر هنري زغيب مزيناً بزهر الأوركيدي، ويروي فيه سيرة الشاعر التي كتبها بعد جلسات طويلة امتدت بين الشاعرين إلى خمسين ساعة. بعدها توجّه الحضور إلى مكان التمثال المغطّى بالأبيض في «حديقة المبدعين» المجاورة للجامعة، وقام الشاعر عقل وممثل رئيس الحكومة النائب قباني ورئيسة الجامعة والحضور برفع الستارة عن تمثال الشاعر عقل وسط تصفيق الحضور ورفرفة الحمام الأبيض والبالونات الملوّنة التي أطلقت في سماء الحرم الجامعي على وقع قصيدة عقل التي غنّتها السيدة فيروز «أمي يا ملاكي»، وعبّر عن فرحه قائلاً للحضور جئتم تصفقون لسعيد عقل، سعيد عقل سيصفّق لكم.. واختتمت الحفل بعرض الفنانة لور عبس التي قدّمت أغاني من شعر سعيد عقل «من أين يا ذا الذي..» و»عم بحلمك يا حلم يا لبنان» التي غنّتها المطربة ماجدة الرومي. جانب من الحضور