زوّدني أحد الأصدقاء برابط كتاب دليل المبتعث الفقهي . قبل أن أدخل عليه وأتصفحه حاولت أن أتخيل طبيعته. ما الذي يمكن أن يقدمه كتاب فقهي لطالب سعودي مبتعث في كندا أو أمريكا أو بولندا؟! اصغر طالب مبتعث لا يقل عمره عن ثمانية عشر عاماً وقد يصل عمر بعض المبتعثين الخمسين.لا أشك أن خريج مدارس المملكة يمكن أن ينافس عالما كبيرا في علمه الفقهي. ما هي الإضافة التي سوف يقدمها هذا الكتاب لطالب قضى ثلثيْ حياته الدراسية يتعلم من الكتب الدينية؟ لابد أن الكتاب سيكون على أحد أمرين إما أن يكون ملاحقة أيدلوجية كما كان يحدث في الأزمنة الماضية أو فقها جديدا لم يتوصل إليه علماء السلف. فوجئت بشيء لم أتوقعه. من الصفحات الأولى زودني الكتاب بمعلومة مهمة. في أيام الضجيج الصحوي كان الدعاة يغيرون على التراث الناصري والبعثي والقومي، يستعيرون أغانيهم الحماسية ويعيدون إنتاجها في صورة أناشيد. حتى شعر نزار قباني لم ينجُ من غاراتهم. يمكن للمرء أن يفهم هذا لأن طبيعة الصحوة لا يمكن أن تنتج فنا. اكتفت بالارتكاء على تراث الآخرين(أعدائها في الواقع).. هذا الكتاب يقدم (لي على الأقل) ما هو ابعد من الإغارة على الفن. يمكن القول إن إنتاج الصحوة مستعار بالكامل من الآخرين وليس الأناشيد فقط. الصحوة ركزت في معظم أدبياتها على المرأة. كأي حركة ثقافية تجتاح الأمة كان يفترض أن تنتج أدواتها وعباراتها الخاصة. المصطلحات التي تنتجها الحركة هي اختصار لطبيعة الحركة وتحدد مسار تفكيرها وقدرتها على المشاركة الإبداعية في التراث الإنساني. ارتكزت الصحوة في علاقتها مع المرأة على رؤية ذات أبعاد ثلاثة. ( الدرة المكنونة، البيت مملكة المرأة، وشتم المرأة الغربية بأحط العبارات).. كنت أظن حتى قراءة كتاب فقه المبتعث أن هذه الطريقة في التفكير منتج محلي صرف. يفتتح المؤلف كتابه برسالة تلخص الموقف من المرأة الذي ساد أيام الصحوة. تقرأ هذه الرسالة كأنك تقرأ داعية صحويا سعوديا يحذر الطلبة في الثمانينيات أو التسعينيات من القرن الماضي. ستشعر بالغبن عندما تعرف أن قائل هذه الكلمات التي رددناها أكثر من عشرين عاما هو رجل يوصف بالمشيخة قبل حوالي قرن من الزمان. يقول في رسالة وجهها لأخيه الذي ذهب للدراسة في باريس : (... أنت لا تعرف من النساء إلا أهلك مخدرات( من الخدر) معصومات كالدر المكنون شأن نساء الشرق المسلم حيث المرأة عزيزة مكرمة محجوبة مخدرة، ملكة في بيتها، ليس من الحطة والخسة..) ثم يسرد لأخيه تعريف المرأة الغربية كما يأتي في أدبيات الصحوة فيقول (إذا عرضت لك امرأة بزينتها وزخرفها فراقب الله وحكم العقل واذكر الأسرة والجدود لا تنظر إلى ظاهرها البراق بل انظر إلى نفسها المظلمة القذرة وماضيها المنبت العفن أتأكل من إناء ولغت فيه كل الكلاب). بهذه الرسالة المهذبة يفتتح المؤلف فهد باهمام كتابه فقه المبتعث.