لاشك ان ارتفاع منسوب الصدق في القول والعمل سيضخ المزيد من الثقة في شرايين الحياة الاجتماعية بمختلف تفاصيلها ومتطلباتها ، وحين تتأمل الجوانب الجميلة والمعاني الفريدة التي يفرضها الصدق على مستوى التعامل فإنك حتما ستشعر بالارتياح وستتجنب كثيراً من العناء في سبيل انجاز الأعمال المختلفة ، في حين أن مؤشرالثقة يتكئ على هذا الدافع المهم والمؤثر لتفعيل هذه القيمة الجميلة ، فإذا مارست الصدق سلوكاً يجب كذلك أن تمارسه تصديقاً للآخر لكي يتحقق التوازن وتستقيم الأمور وتخف حدة الإثباتات التي لاداعي لها بدءاً من الحلف ومروراً بإرفاق بعض المستندات او صور منها لإنهاء بعض الأعمال التي لاتستوجب ذلك فهناك ما يستلزم ارفاقه اوابرازه ! ان صح التعبير ، وهناك ما لا يستلزم ابرازه في كل وقت متى ما تناغم التآلف مع المبدأ وانسجم مع مقتضيات الواجب بمرونة يقودها الحس العالي وضخت الثقة مزيداً من الشعوربالأمان في هذه الناحية ، ومن أبرز المؤثرات التي تضعف من مستوى ثقة المؤمن بربه الحلف إذ لا يمر يوم إلا وتجد الشخص قد حلف أكثر من مرة ، وفي أشياء بدهية ولا تستوجب الإثبات بهذه الصيغة ، فعلاً انها أزمة أخلاقية، فالاستهانة بالحلف، وتداوله في كل كبيرة وصغيرة، يوقع الإنسان في المحظور إذ إن التساهل في هذا الأمر، وعدم تطبيق ماحُلف لأجله، نتيجة لعدم تجاوب الطرف الآخراو عدم تحقيق هذا الأمر، يحتم على المرء أداء كفارة اليمين، فلماذا كل هذا الأمر؟ ولماذا يتم إقحام الحلف في كل صغيرة وكبيرة وفي مسائل لا تعدو عن كونها تعبيراً عن موقف اوشرح حالة معينة فهناك أساليب كثيرة أخرى بديلة، إن تقنين الحلف وعدم الحاجة إليه، إلا في الحالات الذي يتطلبها الحلف كأداء الحقوق، والشهادة وغير ذلك من الأمور تجنب المرء الوقوع في المعاصي والزلات، فضلاً عن ذلك فإن الصدق، يعزز الثقة، والثقة توجب الاحترام للموثوق به ، والصدق من صميم تعاليم ديننا، فلماذا لا نعبر عن مشاعرنا، بقوة وقعه وتأثيره، مايحدث حالياً وبكل اسف ان الكذب اصبح هو القاعدة والصدق الإستثناء بينما المنطق الصحيح عكس ذلك ، يقال وداوها بالتي كانت هي الداء ولك أن تتساءل عزيزي القارئ ، وما هو هذا الداء ؟ لا ريب أن الشك داء عضال ولا يمكن أن يكون علاجاً البتة ، غير أنك حينما تستخدم الشك كوسيلة للتصحيح وترك بعض العادات السيئة لتفعيل الثقة بمعنى أن من يحلف كثيراً فإن شك المتلقي سيحد كثيراً من استشراء فرضية الإثبات على هذا النحو لان الكذب والتخوين يتقاطعان مع قيمك ولاتستسيغهما من حيث المبدأ . والصدق من كمال الإيمان ، إن تفعيل الاعتماد على الصدق كمحور رئيس تتكئ عليه التعاملات يبدأ بتصديق الآخر كجزء مهم في هذا الإطار لكي يكون الصدق هو القاعدة وليس الاستثناء ، إن شاء الله من أعظم الكلمات التي تأخذ حيزاً في قلب المؤمن ويتم تداولها بطريقة انسيابية جميلة جذابة ، فإحلال هذه الكلمة مكان الإثبات لعمل امر ما ليست فقط! في كونها قيمة سلوكية فذة على صعيد التعامل ، بل ثقة برب البلاد والعباد والذي بمشيئته سبحانه يكون كل شيء . والأدهى والأمر هو مبادرة المتلقي وأقصد متلقي المعلومة بقوله احلف او قل والله هذا السلوك هو بيت الداء فلماذا تطلب منه أن يحلف وتقدم الشك وسوء الظن على حسن الظن والنية الطيبة وهو إن كان كاذباً سينكشف أمره بمرور الوقت بدون أن تطلب منه هذا الطلب الغريب وبات غريباً لأنه مؤمن بربه فضلاً عن ذلك فإن وسائل الاتصال السريعة باتت متاحة وبأمكانك التحقق من الأمر خلال دقائق معدودة ، حسن الظن بالناس من صميم الأخلاق؛ لأنه يتوق إلى الأجمل حيال معطيات التحقيق؛ لذلك تجد التعامل بموجبه يتم بشكل يومي؛ إذ لا يمر يوم إلا وتجد الآلاف بل الملايين من الأمور قد أنجزت بشكل انسيابي، طبقا للمرونة في التعامل وتفعيلا لهذا المبدأ الجميل ألا وهو حسن الظن، والذي يتكئ على ثقة بالغة بالنفس، وأريحية تتم عن رقي في الفكر. إن وضع من يكثر الحلف بالله في كل صغيرة وكبيرة موضع الشك سيجبره على الانتقال إلى مستوى أعلى وسيتجنب هذه المنقطة المحفوفة بالمخاطر لا سيما إذا حلف كاذباً ، وأن يكون الحلف في أضيق الحدود طالما أن الصدق هو المقياس نزاهة للعقل والتفكير ، جئت إلى المنزل في إحدى المرات وإذا بابني الصغير يشكو من أخيه الكبير ويكثر من الحلف ، قلت له يا بابا لا تحلف أنا أصدقك بس لا تحلف ، يا بابا أنت مؤمن وتصلي لربك خمس صلوات وأخلاقك عالية فلماذا تحلف ؟ وبعد فترة وجيزة جاء وقال لي بابا أبغى توديني للسوق علشان أشتري ملابس رياضة ، قلت له انشاء الله عندما أعود في المساء نذهب الى السوق ، فبادرني بقوله أخاف تتأخر وما تجي فقلت والله العظيم إني بجي ، حينئذٍ أدركت ان المشكلة متأصلة واننا نحن الكبار بحاجة ماسة الى قوة في الإرادة لتصويب بعض السلوكيات الخاطئة فإذا فعلُنا قيمة الصدق سيقلدنا الصغار ويقتدون بنا شيئا فشيئاً ونتخلص من هذه العادة فقط دعونا نبدأ ونحاصرهذه العادة والفكاك منها والتجربة خير برهان. * عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية