عقد البيع هو العقد البارز في الحياة اليومية ، و الوسيلة المشهورة لانتقال الملكية ، و يصنف في نظرية العقد بأنه من العقود المسماة المرتبة للالتزامات المتقابلة على طرفيه ، و هذا ما يعبر عنه ( بالعقود الملزمة للطرفين ) فبمجرد انعقاده تترتب تلك الالتزامات المتقابلة عليهما . فأما الالتزامات التي يرتبها في جانب البائع هي : الالتزام بنقل ملكية المبيع ، و تسليمه للمشتري ، و ضمان التعرض و الاستحقاق ، و ضمان العيوب الخفية في المبيع . قلت : و في غالب عقود البيع البسيطة – إن صح التعبير- و الشائعة في الحياة اليومية ، يكون تسليم المبيع من البائع و قبض المشتري له نقلاً للملكية ، و هو ما أطلق عليه الفقهاء – رحمهم الله – اصطلاح المعاطاة . و أما الالتزامات التي يرتبها عقد البيع في جانب المشتري هي : الالتزام بالوفاء بثمن المبيع ، و تسلم المبيع في الزمان و المكان المتفق عليه ، و الالتزام بمصروفات و رسوم البيع . فجميع هذه الالتزامات في جانبي طرفي عقد البيع ، تعتبر قواعد عامة ، يعمل بها حتى و لو لم ينص عليها في العقد . و إلى جانب تلك الالتزامات ، هناك التزامات يتفق عليها الطرفان في العقد ، و بذلك يمكننا القول أن عقد البيع يشتمل على التزامات عامة و التزامات خاصة أو اتفاقية ، لا بد أن ينص عليها في العقد ، و إلا أعملت قواعده العامة . و نقف هنا عند النقطة المهمة في الموضوع: فمن التزامات البائع ضمان العيوب في المبيع ، و هو التزام تفرضه القواعد العامة للعقد ، فهل يعتبر التزاماً بالصيانة الدورية للمبيع ؟ أم أن ذلك التزام اتفاقي بين طرفي العقد ينص عليه في أحد بنوده ؟ فأقول : إن غالب عقود بيع السلع المشمولة بالضمان ، أو ذات القيمة العالية ، تشتمل على تحديد مدة من الزمن أو قدر من الاستهلاك يمكن معه ظهور عيوب المبيع لو وجدت . و لعل المثال الواضح على ذلك و القريب إلى الأذهان ، هي عقود بيع السيارات ، فجميع ما يظهر من عيوب تصنيعية في المركبة خلال مدة الضمان أو بعد مسافة محددة في العقد، تعتبر داخلة تحت الالتزام بضمان العيوب في المبيع . فأي خلل في السلعة في هذه الفترة و أمكن إصلاحه من قبل البائع ، فهو تنفيذ عيني للالتزام بالضمان ، و مسقط لحق فسخ العقد ، ما دام أن العيب غير مانع من الاستعمال ، أو منقص للقيمة ، و أمكن إصلاحه. و من غير المتصور أن يلتزم البائع بضمان عيوب السلعة إلى أجل غير مسمى ، فبمجرد انتهاء فترة الضمان يكون المشتري أمام اتفاق آخر للصيانة الدورية يوضح في ثنايا العقد ، و لا يعتبر مندرجاً تحت الالتزام بضمان عيوب المبيع . فلا يخلو الحال من احتياج المشتري للقيام بأمور خدمية أو وضع قطع بديلة من أجل استمرار الانتفاع بالسلعة . و لا خلاف أن تكاليف هذه الصيانة ستكون في جانب المشتري ، ما لم يكن سبب الخلال في السلعة راجعاً إلى تأريخ سابق متخلل لفترة الضمان ، فتكون تكاليف تلك الصيانة على البائع ، إعمالاً للالتزام بضمان عيوب المبيع . و مسألة ضمان المبيع ليست ذات فراغ تنظيمي فقد تطرق لها نظام الوكالات التجارية في الفقرة الأولى من المادة الثانية التي أضيفت بموجب الأمر السامي رقم م/32 في تأريخ 10/8/1400ه .و المتضمنة تأمين الصيانة اللازمة للمنتجات ، و ضمان جودة الصنع . و لكن هل تعمل الوكالات التجارية على تنفيذ اتفاق الصيانة الدورية للمبيع بالوجه المطلوب ، أم أن الأمر مجرد بند اتفاقي يضفي على العقد نوعاً من الاهتمام ، و وسيلة لربط المشتري بالوكالة دائماً و تكبد المبالغة في تحديد أسعار الصيانة و قطع الغيار ، التي قد تقدمها مراكز صيانة أخرى متخصصة بأسعار أقل بكثير مما تفرضه الوكالات التجارية ، و بجودة عالية أيضاً ،قد لا تختلف عما تقدمه تلك الوكالات ، ناهيك عن استغراق وقت الصيانة في بعض الأحيان ( وخاصة في وكالات السيارات ) اليوم و اليومين لإجراء أمور صيانة خدمية عادية ، مما يؤدي إلى بحث المشتري عن البديل المؤقت في هذه الفترة ،و تكبد مصروفاته إلى جانب مصروفات الصيانة الباهظة . و ما تناولته في هذا الجانب من حديث عن خدمات ما بعد البيع ، و ما دونه قلمي من نقاط لهو عرض موجز، و غيض من فيض و إعادة العرض لما يحدث في الواقع من المخالفات التعاقدية من قبل بعض الوكالات التجارية ، و التي تقع في ظل غياب الوعي القانوني لكثير من المستهلك بحقوقهم في هذا المجال . مما يدعونا إلى المطالبة بنشر الوعي من قبل جمعية حماية المستهلك . إن تفعيل دور حماية حقوق المستهلك بشكل كامل كما هو مشاهد في الدول التي سبقت إلى ذلك ستعمل في الدرجة الأولى على توعية أفراد المجتمع بحقوق المستهلك و أنواع السلع و كيفية التمييز بين السلع الموجودة في الأسواق و معرفة مواصفات جودتها ، و التعريف بحقوق و التزامات التاجر و المستهلك ، و نشر هذه التوعية بشكل مستمر عن طريق وسائل الإعلام المختلفة . و العمل على التنسيق مع الجهات ذات العلاقة ، و إرشاد المستهلك فيما يتعلق بقضايا التعويضات . نتطلع لدور من قبل جمعية حماية المستهلك لوضع حد للاستنزاف الحاصل في المبالغة ببعض أسعار السلع و خدماتها ، ووضع الآليات الكفيلة بتنسيق العمل مع الجهات ذات العلاقة سيراً نحو تكامل و ترابط الأنظمة و لكي تأتي ثمارها . *مستشار قانوني