لا تكاد توجد سلعة معدة للبيع، إلاّ ويخبرك البائع بأن عليها ضماناً لمدة سنة أو أكثر، ابتداءً من السيارات والمعدات الثقيلة، وانتهاءً بأصغر الأجهزة الإلكترونية والكهربائية، حتى أن هذه الظاهرة انتقلت مع الأسف إلى محلات بيع الملابس، حيث يؤكد لك البائع عدم تغير لون القماش أو حجمه بعد الغسيل!. وهذه الضمانات تُعد من الأشياء الجميلة لو أنهم صدقوا فيها، لكن الحقيقة المُرة أنها لا تتجاوز كونها احتيالاً، بل "ضحكاً على الذقون"، بحيث يكتشف المستهلك عند عطل السلعة، أنه تعرض للاحتيال في وضح النهار، بل وفي محلات تحمل "رخصاً" رسمية لمزاولة البيع، دون أن يجد من يقف بجانبه وينصفه من أولئك المحتالين، الذين يخلقون له ألف تبرير لعدم شموله بالضمان المتفق عليه من عبارة: "سوء الاستخدام"، أو "التعمد في تلف السلعة"، أو أن "الضمان يشمل أعطالاً معينة فقط"، أو "راجع المصنع أو الشركة الموردة للسلعة"، إلى آخر تلك الأعذار، التي يختلقونها بحسب كل حالة تمر عليهم. "الرياض" تُسلط الضوء على الموضوع لمعرفة المسؤول عن تفشي أساليب الاحتيال على المُشتري، وما دور جمعية حماية المستهلك في هذه الحالة؟. أنواع الضمان في البداية قال المحامي "هشام حنبولي": إن الضمان نوعان، الأول: ضمان يتم التعاقد عليه بصورة منفصلة عن شراء السلعة، بحيث يكون له ثمن محدد، ويتعهد الضامن فيه بإصلاحها عند تعطلها، أو تبديلها خلال مدة معينة، مضيفاً أن هذا الضمان لا يجوز شرعاً، لأنه قائم على "الغرر" و"المقامرة"، حيث إن السلعة قد تتعطل وقد لا تتعطل، وإذا تعطلت فقد تكون قيمة إصلاحها أو تبديلها أقل أو أكثر من قيمة المبلغ المدفوع، ولا ريب أن هذا غرر واضح، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الغرر، مشيراً إلى أن حقيقة هذا الضمان أنه نوع من أنواع التأمين التجاري المحرم. وأضاف الثاني: ضمان لا يتم التعاقد عليه بصورة منفصلة، وإنما يكون داخلاً في عقد شراء السلعة، ويلتزم فيه المنتج أو البائع بسلامتها من العيوب المصنعية والفنية، بل ويلتزم بصلاحيتها للعمل خلال مدة متفق عليها، وبموجب هذا الضمان يتعهد المنتج أو البائع بإصلاح الخلل المصنعي والفني الطارئ على السلعة، أو تبديلها إذا اقتضى الأمر، لافتاً إلى أن هذا الضمان لا يضمن العيوب التي تنشأ من سوء استعمال المشتري وعدم عنايته بالسلعة، ولذلك فإن بعض الأجهزة التي تحتاج إلى صيانة، يُشترط للعمل بالضمان فيها التزام المشتري بجدول الصيانة المقترح. تحتاج إلى تفصيل وأوضح "إسماعيل المزمومي" -معلم تربية إسلامية- أن ضمان السلع مسألة تحتاج إلى تفصيل، فإذا رجعنا إلى كلام الفقهاء وجدنا له تخريجين، الأول: أن هذا الضمان نوع من ضمان العيب الحادث عند المشتري والمستند إلى سبب سابق على القبض، وقد اختلف أهل العلم هل هذا العيب من ضمان البائع أو ضمان المشتري؟ على قولين: الأول: أنه من ضمان البائع، والثاني: أنه من ضمان المشتري ما لم يدلس البائع، ومنشأ الخلاف في المسألة هو: هل وجود سبب العيب يعد عيباً أم لا؟، فمن قال بأنه عيب جعله من ضمان البائع، ومن قال إنه ليس بعيب جعله في ضمان المشتري، فعلى القول إن البائع ضامن للعيب الحادث عند المشتري إذا كان مستنداً إلى سبب سابق على القبض، فإن التزام البائع وتعهده في هذا الحال يكون تأكيداً لمقتضى العقد، وأما على القول بأنه من ضمان المشتري، فإن البائع يكون قد وعد بضمان العيب المستند إلى سبب عنده، ومثل هذا الوعد يلزم الوفاء به على الراجح من أقوال أهل العلم، لأنه قد ترتب عليه دخول الموعود في كلفة. التجربة هي الدليل وأضاف أن التخريج الثاني: أن هذا الضمان هو نوع من ضمان العيب الذي لا يُعلم إلاّ بالتجربة، وقد اختلف أهل العلم فيمن يضمن هذا العيب هل هو البائع أم المشتري؟ على قولين: الأول: أنه من ضمان البائع، والثاني: أنه من ضمان المشتري، والذي يظهر - والله أعلم - أن القول الأول أرجح لعدة وجوه: الأول: أن تعرُّف المشتري على خصائص الجهاز، واحتمال وجود عيب فيه وقت شرائه متعذر، لعدم توفر الإمكانات الفنية اللازمة لذلك لدى المشتري، والثاني: أن كثيراً من العيوب الدقيقة لا تظهر بمجرد تشغيل الجهاز، وإنما تظهر عند الاستعمال الفعلي له، فهذا الاستعمال وسيلة لاكتشاف سلامة المبيع من عيبه، والثالث: أن المشتري إنما رضي بالمبيع سليماً من العيوب، وهذا الرضا إنما يتحقق بعد المعرفة التي لا تحصل إلاّ بالتجربة، موضحاً أن ما تبين من عيب بالتجربة، فإن المشتري لم يرض به، فكيف يلزمه ضمانه؟، مشيراً إلى أن هذا النوع من الضمان جائز، وأنه لا محذور فيه شرعاً، فقد قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ"، وقال صلى الله عليه وسلم: "المسلمون عند شروطهم فيما أحل". -رواه الطبراني-، وكون صانع الجهاز أو البائع أخطأ في تحديد مدة الضمان لا يعفيهما من تحمل آثار الضمان الذي تعاقدا عليه. ضاعت حقوقي وقالت المواطنة "فائزة محمد": اشتريت من محل بيع الأجهزة الكهربائية جهاز "استشوار" بسعر (380) ريالا وعليه ضمان لمدة سنة، وبعد مرور (6) أيام فقط من شرائه، حدث به عطل، فأعدته إلى المحل، فقال البائع: "إن الضمان من الشركة المصنعة ونحن نبيع السلعة بضمانها فقط، وإذا تعطلت فعلى المشتري أن يرجع للشركة المصنعة ولا يرجع إلينا"، مضيفةً أنها سألت البائع عن مقر الشركة المصنعة أو أحد فروعها، فكانت إجابته: لا أعلم!، مشيرةً إلى أنها بحثت في "الانترنت" عن أسم الشركة، فوجدت لها وكيلاً معتمداً بمدينة جدة، الأمر الذي جعلها تتصل عليهم وأخبرتهم بعطل جهازهم، فقالوا: "أحضري الجهاز حتى نراه"، مبينةً أنه عند إيصال الجهاز لهم قالوا: "مع الأسف هذا الجهاز ليس من أجهزتنا، وإن كان يحمل نفس اسم شركتنا، لكنه جهاز مقلد، وعليك العودة للمحل ومطالبته بالمال"، موضحةً أنه عند رجوعها للمحل قال لها البائع: "الجهاز أصلي (100%)، لكن الشركة تريد التنصل عن الضمان، ونحن لدينا أجهزة مقلدة لكن قيمتها لا تتجاوز (60) ريالاً"، ذاكرةً أنها دارت في حلقة مفرغة، وأن نقودها ضاعت بين الموزع والمحل!. لم أستفد شيئاً وأوضح "صلاح الجهني" أنه اشترى جهاز "مكيف" من إحدى الشركات الكبرى في مجال بيع الأجهزة الكهربائية، وحصل على ضمان لمدة عام، وبعد تركيبه في المجلس، تم تشغيله بهدف التجربة، وبالفعل كان تبريده ممتازاً، ذاكراً أنه لجأ إلى إطفائه بعد مرور (4) أيام، وذلك عند زيارة أحد أقاربه، موضحاً أنه بعد ربع ساعة طلب منه الضيف تخفيض التبريد، فأدرج مفتاح البرودة على تبريد متوسط فانطفأ المكيف، فوضعه على تبريد منخفض، فلم يعمل، حينها علم أنه لا يعمل إلاّ على إشارة تبريد عالي، مشيراً إلى أنه اتصل بالمحل وأرسلوا له مهندساً، وبعد الكشف، قال: إن الاستخدام السيئ للمكيف تسبب في تلف "الضفيرة الداخلية"، وإذا كنت تريد منا أن نصلحه، يتوجب عليك دفع قيمة "الضفيرة" أو شراء ضفيرة من أي محل قطع غيار، مبيناًً أنه اتصل على المسؤول بالشركة، وشرح له الوضع، بل وأقسم له أن العطل من تصنيع الجهاز وليس من سوء الاستخدام، لأنه لم يُشغل الجهاز مطلقاً سوى هذه المرة، فرفض تصديقه وقال: إن هذا الكلام لا يعقل؛ لأن "الضفيرة" فنياً لا تتعطل إلاّ من سوء الاستخدام، وأكد "الجهني" على أن المكيف منذ اشتراه قبل عامين وحتى الآن مازال بنفس العطل، بل ولا يعمل سوى على تبريد عال فقط، حيث لم يستفد من ورقة الضمان شيئاً. حماية المستهلك و قال "د.ناصر التويم" -رئيس جمعية حماية المستهلك-: إننا أعددنا أكثر من (35) برنامجاً طموحاً، وهذه البرامج تحمي المستهلك من كل ما يعترضه من احتيال أو غش أو خلافه، بما في ذلك الضمان وما يتعلق به، وننتظر الموافقة عليها من الجهات العليا، مضيفاً أنهم رسموا خارطة طريق لكل القطاعات؛ لأن هناك (42) قطاعاً اقتصادياً مخترقاً وفيها غش تجاري، وفي القريب العاجل سوف نعلن خارطة الطريق ونطبقها، مشيراً إلى أنهم الآن في مرحلة انتقالية، ولديهم أفكار تطويرية جديدة، بل ويملكون ملفات ضخمة، ذاكراً أن الجمعية تحاول الحصول على أفضل البرامج لحماية المستهلك في العالم، وكل هذه البرامج التي أعددناها سوف تلامس هموم الناس وتحمي اقتصادهم.