أهداني الأخ المبدع سعد بن جبر الجحدلي الحربي ثلاثة كتب من تأليفه أحدها " الرجيعي والخبيتي " في طبعته الأولى . يتكون الكتاب من مائة وأربع وسبعين صفحة من القطع المتوسط . ولكي ندرك أهمية الكتاب نجد أن موضوعه يتناول فنينً محليينً شائعين، يتميزان بألحانهما وأدواتهما وأدائهما وشارد أبياتهما مما احتفظ به هذان اللونان الغنائيان من جيد الشعر الشعبي معنى ومغنى ، وقد خدمت الرفاهية التي نحياها هذين الفنين فأبدع المشرفون على فرقهما باختيار ألوان الملابس التي تؤدى بها رقصاتهما وأصبح هذان الفنَّان من الفنون التي تمثل بلادنا في الخارج وتطرب أفراحنا الوطنية . ويجهل الناس كثيراً عن هذه الفنون تأصيلها وتفاصيل أدائها وتشكيلها . أما الأهمية الأخرى فتكتسب من مؤلفه ، وهو الخبير بهذا الفن ممارسة وحياة في مجتمعه ، وتعلقاً به وسعياً وراء مصادره للتعريف به كما بدأ وشاع وتطور ، وسعد الجحدلي شاعر مبدع ، أشرف فترة طويلة على صفحات الأدب الشعبي في الصحافة ، وأورد نماذج أدبية وثقافية في كتابه الذي صدر منذ عامين عن بلدة " ثول " التي تتأهب اليوم لتكون مدينة علمية ، تحمل نقلةً علمية في مجال العلم والثقافة والحياة . عبد الرحيم الأحمدي وقد أثبت الأخ سعد جدارة فائقة في تناوله لأغاني الخبت " الخبيتي والرجيعي " في مشروع دعاه " موسوعة الألعاب الشعبية " وكان هذا الكتاب هو الجزء الأول منها : نأمل أن تشهد الساحة الثقافية كتباً أخرى في الفنون والألعاب الشعبية معززة برؤى تحليلية وتأصيلية وشمولية ، وكما أشرنا يعد الأخ سعد من خيرة الجديرين بتناول موضوعات موسوعته التي ستدعم الجهود القائمة لنشر الفنون والثقافة ، علماً بأن هذا المشروع هام وليس من السهل الوفاء بمتطلباته التي تدعم الكاتب وتعينه مادياً ومعنوياً ليتمكن من الاتصال بأهل الفنون وخبرائها وحفظة الشعر وسواهم من الخبراء ، وليستخدم أدوات التوثيق اللازمة ، ويستعين بالفنيين المتخصصين في التسجيل والإخراج والتحقيق والتوثيق بكل أشكاله وأنواعه .وتظهر كفاءة الأخ سعد من حسن تناوله ودقة تحليلاته . إن النقل أساء إلى كثير من الفنون الشعبية ، وأضاع كثيراً من رموزها ، وذلك لاستحسان مؤديها بعض البدائل في النصوص مثل قول الشاعر : وزمام سيدي طاح في جمة البير وجنيه ابو خيال للي يجي به إلى قولهم : وزمام سيدي طاح في جمة البير وجنيه ابو سيفين للي يجي به فالقيمة المادية والمعنوية هنا أقوى وأجمل ، ولكن القيمة التأريخية فيها دلالة على قدم هذا البيت إلى ما قبل ظهور الأغلى ( الجنيه أبو سيفين ). ومثل قولهم : بارق برق قبلة وبارق برق شام والبارق القبلي رجع للشمال إلى قولهم : بارق برق قبلة وبارق برق شرق والبارق القبلي رجع نية الغرب وهي تجسيد وتتابع لحركة آنية .ولكن ذلك قد يرسخ فيعتقد قدمه . سعد الجحدلي وهذا ما يؤكده المؤلف في مقدمته حين يقول : " وعندما نستقرئ هذه الآثار يتجلى لنا التاريخ بكل صوره ومعانيه الجميلة ، فترى الإنسان من خلال فكرته وتجاربه تتمثل في هذا الكم الهائل من الشواهد كالقلاع والحصون .... وكما نشاهده أقوالا تتمثل في هذا الكم الهائل من الأدب الشعبي .... إذا فللفنون أهميتها في حفظ تراث الإنسان وإبداعه ونقلها للأجيال التالية . وأوافق المؤلف حين يقول " إن ظهور الفرق الشعبية بهذا الكم الهائل لا يخدم الموروث بقدر ما يحجم دوره ويشتته . إلى قوله : " هذه الفرق التي ليس لها قواعد تسير وفق منهجها ، وليس هناك نقاد يستطيعون أن يتبينوا السليم من السقيم ولا يوجد جمعية محترفة تنظمهم ". فالمطلوب هو دعم الجمعيات بالخبراء والمتخصصين والسعي إلى تصحيح ما قام على الاجتهاد ورده لأصوله ليتمكن الباحثون من دراسة خصائصها ومضامينها ، دراسة تستهدف الأصل لا ما أسس على النقل . والجهود الجماعية خير من الفردية لتبادل الأفكار بين فرق العمل المتخصصة عند اختلاف النصوص وترجيح الأصح منها . والموضوع الذي اختلف فيه مع المؤلف هو كتابة بعض النصوص الشعرية ، حيث عمد إلى كتابتها كما ترد على ألسنة الرواة والمؤدين للفن ، وهذا مذهب كثير من كتاب الشعر الشعبي ، وأفضل أن تكتب النصوص كما يكتبها مبدعها لو كان ملماً بفن الكتابة ، لأن ذلك لا يؤثر على الوزن ما أجيدت القراءة وروعي فيها الوصل والقطع ، ثم أن بعض الأحرف المضافة زائدة مثل قوله : عيني ترف امبشرتي بغايب عساه يا عيني من اللي تودين فالألف في كلمة ( امبشرتي ) زائدة أصلاً ومضافة على قول الشاعر وإضافتها تثير في القارئ الذي ليس من بيئة الخبيتي تساؤلات عن معنى المفردة . وهناك دمج كلمتين في كلمة واحدة مثل قوله : أمشي ضحى وانا احسبنّي مغبِّش أدوس في السيسان ما القى منقِّش البيض خلوني بلا عقل اهبِّش فكلمة " أحسبني " هي " أحسب أني " وطالما وصلت همزة إني فلا تأثير على الوزن ، والشاعر لا علاقة له بالكتابة وإنما أراد الفصل ، وكلمة " خلوني " من النقل والأصل خلَّنيِّ .والمؤلف أكثر اهتماماً بإيراد المفردات كما أراد مبدعها إلا في قليل مما درج عليه نفسه في مشاركاته . وهذا الكتاب في فصله الأول " الرجيعي " وفصله الثاني " الخبيتي " أو في كتاب استهدف الشمولية في التأليف والتفصيل في التعريف ولعل لنا عودة إلى ذلك ، وأهنئه على هذه المبادرة والالتفاتة إلى جلاء الفنون وإظهارها وفق ما كانت عليه ، ولعل الآخرين من المهتمين بالفنون في بلادنا الواسعة يحذون حذوه ويجدون العون من المؤسسات التي أنشأتها الدولة لدعم أمثالهم ، ودفعهم للخروج من المدينة إلى القرية فإنها مكمن الأصالة ومنبع الفنون الأصيلة . ولعل من حق القارئ أن يمتع بشيء من فن الرجيعي وفن الخبيتي إذ لا طائل لكثير مما نقول. يقسم المؤلف الرجيعي إلى قصير جداً مثل : يا ولد يا حربي شايل الجنبية وقصير مثل : ليت زمّالتي عندي واخد زيد واسري به ومتوسط قصير مثل : جيت ساري على حس القصيد أدهك الشوك ورجلي حافية ومتوسط طويل : ليّه عميلٍ صار لي عنده حساب مكتوب في الدفتر ولا حِلِّق عليه وطويل مثل : ما ابيك يا الملعبة ما جا سليمان ما جا سليمان قواد السريّه وطويل جداً مثل : وجودي وجود اللي حلاله ورد عسفان وصدَّر مع ام الرين يبغى الكنانية وللرجيعي ألحان كثيرة ومتنوعة يمكن الرجوع إلى كتاب سعد فهو ثري جداً، ولقد زادني معرفة وصحح كثيراً من معارفي حول أغاني الخبت ولي عودة إلى ذلك لمزيد من التناول ..