بمحض الصدفة ادرت مؤشر المذياع يوم الثلاثاء الماضي على إذاعة البرنامج الثاني من جدة والتي عودتنا على تقديم كل ما يمتع المشاهد ويضفي الى ذائقتة باقة من الفائدة والمتعة، فإذا بي أسمع برنامجًا يتحدث عن مجموعة من الفنون الشعبية التي تتميز بها منطقة الحجاز وكان مما سمعت من مذيع ومذيعة البرنامج الحديث عن فن الخبيتي ذلك الفن والموروث الشعبي الذي توارثه أهل الحجاز أبًا عن جد حتى أضحى علامة تتميز بها المنطقة عن باقي المناطق، ولا شك أن لكل منطقة ما يميزها إلا إني هنا في صدد الحديث عن الفن الشعبي في الحجاز، وتداخلا مع ما جاء في البرنامج. فالخبيتي من الفنون الشعبية الراقصة التي يشتهر بها الساحل الغربي من المملكة، وهو فن قديم يؤدى بمصاحبة الدفوف أو آلة السمسمية وهي آلة وترية ذات صوت شجي، والخبيتي مأخوذ من الخبت، إذ وردت في المعجم الوسيط الجزء الأول (الخبت من الأرض ما انخفض واتسع والمنخفض فيه رمل والوادي العميق الممدود فيه نبات والجمع خبوت وأخبات» انتهى كلامه. والخبيتي فن شعبي اشتهر به أبناء مدينة بدر والرايس ومستورة والأبواء ورابغ وباقي مدن وقرى الساحل الغربي من منطقة الحجاز. وتجدر الإشارة هنا لذكر (خبت الجميش) وهو متسع من الأرض المبسوطة يقع بين محافظة بدر وساحل البحر الاحمر، قال عنه ياقوت الحموي: (خبت علم الصحراء بين مكةوالمدينة يقال له خبت الجميش). وفي حديث عمرو بن يثربي: (إن رأيت نعجة تحمل شفرة وزنادًا بخبت الجميش فلا تهجها) قال القتيبي: سألت الحجازيين فأخبروني أن بين المدينة والحجاز صحراء تُعرف بالخبت، والجميش: الذي لا ينبت) ومن نافلة القول أن كثير وهو من شعراء العصر الأموي قابل عزة بهذا الخبت، فقد روى الأصفهاني عن جمعة بنت كثير عن أبيها كثير عن أول علاقة بعزة قال: (إنه خرج من منزله يسوق خلف غنم له إلى الجار -موضع قرب الرايس- فلما كان الخبت -المقصود خبت الجميش- وقف على نسوة من بني ضمرة فسألهن عن الماء، فقلن لعزة وهي جارية حديثة السن، (أرشديه إلى الماء فأرشدته وأعجبته.. إلى آخر الخبر) ويرى الكثير من الباحثين أن فن الخبيتي منسوب لهذا الخبت (خبت الجميش)، والخبيتي فن له أشعار وألحان والغريب إنها مجهولة الشاعر والملحن، وهنا أرى أن الألحان في الأصل مأخوذة من البيئة بالشاعر المحيطة كصوت السواني أو حنين النوق أو من صوت الأمواج، وأما الأشعار فكلها بوح بالمشاعر وهيام وتعبير عن الوجدان ووصف الحبيب ومخاطبة للقمر والطبيعة والزهر، كلمات تفوح بعبق الماضي الجميل وتعكس بساطة الحياة آنذاك مثل: يا أهل الركايب ريّضوا لي على الهون ردّوا عليّ ارسانهن واردفوني وِلْيَا وصلتوا دار مدعوج (الأعيان) الله يجمل حالكم نزّلوني *** واروحي اللي من هوى زيد ذابت كما يذوب من الندى كل قرطاس *** جرّة حبيبي بالخلا سكّنتني عساك يا جرّة حبيبي تدومين (والجرة هنا بمعنى أثر الأقدام) ويظل الخبيتي فنًا عريقًا حقق انتشارًا واسعًا وقبولًا كبيرًا، ويتغنى بألحان الفن الخبيتي في كثير من الحفلات والمناسبات في باقي مناطق المملكة وخارجها، وقد جاء في مجمل البرنامج آنف الذكر أن فن الخبيتي يُؤدى برقصات تتناسب وإيقاع اللحن ويلبس لتلك الرقصات لباس خاص يعطي كثيرًا من الانسجام مع حركة الدوران وقد ذكر المذيع أن ذلك الثوب يُسمى (الحويسي) وأضيف أن له أكثر من مسمى فهو يسمى ب (المحاريد) و هناك من يسميه (الحربي) نسبة لقبيلة حرب العريقة وهو زي لبادية الحجاز وهو لباس عريض فضفاض من الأسفل له أكمام طويلة، والخبيتي كغيره من الفنون طالته أداة التطوير فأصبح يُؤدى اليوم على أحدث الآلات الموسيقية كالأورج والعود والقانون، ورغم هذا يبقى فنًا عريقًا يشكّل علامة فارقة مسجلة باسم مناطق ساحل البحر الأحمر من الحجاز، ويبقى الخبيتي لعبة الليل والمطر.