حتى لو كان فراشك وثيرا ، ووسادتك ريشا ، ولحافك حريرا ، وحتى لو كانت غرفتك باردة ، وكان الظلام فيها دامسا غير بصيص من شعاع واهن لشمعة تعبق بالعطر وريح الخزامى ، حتى ولو كان يومك شاقا وعملك مضنيا ، صدقني انك لن تستطيع ان تنام .!! ***** لن تنام هانئا ولن تقر عيناك بنوم هادئ مادامت الافكار المتشتتة تتصارع في رأسك ، ومادامت تموج بعقلك افكار الماضي وهموم المستقبل ، لن يهدأ لك بال ، ولن تستطيع ان تنام الا حينما تسيطر على شتات فكرك ، وترجع بعقلك الى الواقع الذي انت فيه ، وهي مهمة سهلة جدا ، وفي نفس الوقت مهمة لا تخلو من الصعوبة لحاجتها الى البصيرة ثم الدربة والتوفيق .. ***** التفكير هو اكبر عقبة يمكن ان تواجه العقل المتعب الذي انهكه صاحبه بالهروب من الواقع والخروج من حيز الزمان والمكان الآني ، الى حيز الماضي والمستقبل والخيال ، فالعقل يرتاح كثيرا حينما يتعامل مع الواقع الذي يشاهده بعينه ويسمعه بأذنه ويحسه بجسمه ، ولكنه حينما يبدأ بالتفكير في الماضي فهو يعيش غير واقعه ، وربما تسبب له ذلك بالشعور بالحزن او الندم او الشعور بالذنب او الخيبة ، وحينما ينتقل العقل بتفكيره الى المستقبل فهو ايضا يعيش عالما غير واقعي يبذل فيه طاقة من الرسم الخيالي والإخراج التفاعلي المحتمل ، وربما تسبب له ذلك في القلق والتعاسة والخوف من المجهول ، وفي كلتا الحالتين فهو عرضة للاكتئاب والحزن ، ولذلك ترى أن من نعيم اهل الجنة الذي وصفه الله لنا (لا خوف عليهم ولاهم يحزنون ) فلا تشغلهم افكار الماضي ولا يحملون هموم المستقبل .. ***** أرايت كيف تتماوج الكرة في وعاء الماء الذي تهزه يدك ، كذلك يكون عقلك عندما تتقاذفه الافكار المتشتتة ، فلا مستقر لعقلك ولا هدوء له الا بأن توقف الفكرة لتعيش الواقع وهي مهمة صعبة ، الا انها ليست مستحيلة ، تستطيع ان تسحب انتباهك سحبا قصريا من التفكير ، فتحول الانتباه الى شيء آخر يساعدك على الاحساس بالزمان والمكان الواقعي ، ممكن ان تركز انتباهك على الماديات من حولك ، تعامل مع جسدك المادي فشد عضلاته واقبضها ، قم بالرياضة او تمارين الإحماء والشد ، او انشغل بعمل يدوي يتطلب منك الانتباه والتركيز ، وستساعدك كثيرا تمارين التنفس والاسترخاء والتأمل في الطبيعة والكون والواقع والتفكر في خلق الله ، ويمكنك ان تجرب الانتباه للصورة التي تراها او الصوت الذي تسمعه او العاطفة التي تمارسها مع من حولك ، كل هذه الامور تحتاج الى انتباه مستقل ، فيتوقف التفكير المتشتت الذي يقض مضاجعك ويرهق عقلك ويشغل نفسك .. ***** المشكلة ان العقل اذا لم تروضه على ان لا يذهب بعيدا بالافكار فإنه يفقد حدوده ويضيّع طريقه ويشطح بعيدا في غير ما طائل ، فيتعدى حدوده ربما ليشتغل بأمور لا يصلح فيها الا الاتكال على مصرف الامور والاحوال سبحانه ، او امور لا بيده فيها حل ولا عقد ، او امور لا قدرة له فيها ولا سلطان ، امور قد يبلغ فيها من الحماقة والسفاهة لدرجة تجعله يضحك عليها كثيرا عندما يتذكرها بعد ان يستيقظ من نومه في الصباح .. وعلى دروب الخير نلتقي ..