هل يوجد مسؤول حكومي واحد أو إدارة حكومية في واشنطن يمكن توجيه اللوم لها للهبوط الحاد في قيمة الدولار والإجابة على هذا السؤال هي لا تماماً حيث انه في السياسات الديمقراطية مثل تلك السائدة في الولاياتالمتحدة فإن السياسيين بما فيهم مسؤولو وزارة المالية يحظر عليهم تماماً التدخل في شؤون مصارف بلادهم المركزية وعليه فإن من المفترض أن تكون استقلالية البنوك المركزية كاملة وانها تتلقى الأوامر من مجالس ذات سياسات مستقلة تماماً. ولربما لا يكون هناك مصرف مركزي في العالم أكثر استقلالية وحماية من السيطرة الخارجية وغير سياسي من الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي «البنك المركزي» والذي ترأسه لسنوات عديدة الان غرينبسان، وعلى سبيل المثال فإنه عندما ظهر ذات مرة المسؤول السابق في الاحتياطي الفدرالي لورينس ليندسي قائلاً في مقابلة مع صحيفة فاينانشيال تايمز ان غرينسبان صادق على خطة الرئيس بوش الاقتصادية وقد أجبر في اليوم التالي على التراجع عن تصريحاته بل القول ايضاً انه ليس من مسؤوليات غرينسبان الموافقة على خطة ضرائبية أو على ترشيح أحد كما أن غرينسبان نفسه تعرض في احدى المرات لانتقادات شديدة وغاضبة بسبب شهادته في الكونغرس تفضل اقامة علاقات تجارية عادية مع الصين، وكان ذلك الانتقاد العنيف بسبب ان السياسة التجارية يوصي بها سياسيون في الكونغرس ووفق سياسة نقدية من قبل خبراء ماليين في الاحتياطي الفدرالي. وفي بداية عام 2002م كانت 86 سنتاً كما يقول سائح أمريكي في الخارج يمكن شراء يورو واحد لك غير انه خلال الأسبوع الماضي كان يتعين دفع 1,32 دولار مقابل اليورو بما يعني انخفاضاً بنسبة 35 في المائة لقيمة الدولار كما انخفض الدولار أيضاً مقابل سلة عملات أجنبية أخرى مهمة وبصفة خاصة مقابل الجنيه الانجليزي والذي قارب الدولارين الأسبوع الماضي فضلاً ان الين الياباني كسب زيادة بنسبة ثمانية في المائة مقابل الدولار منذ أوائل أكتوبر الماضي وكذلك الحال بالنسبة للعملة الكورية الجنوبية اليون والتي زادت بنسبة عشرة في المائة تقريباً وأيضاً الدولار السنغافوري والتايواني الذي وصل الآن أعلى مستوى له. وعليه فهل ينذر ضعف الاقتصاد الأمريكي الاضرار بمكانة وسمعة الولاياتالمتحدة في كافة أرجاء المعمورة فربما يصعب الاجابة على مثل هذا السؤال غير انه يمكن القول ان قوة الاقتصاد الأمريكي أصبحت مثار قلق ووفقاً لأرقام نشرها الاحتياطي الفدرالي في الربعين الأخيرين من كل سنة مالية خلال حقبة التسعينات فقد كانت الزيادة في الدخل الصافي للأسر الأمريكية يعادل تقريباً إجمالي الدخل السنوي لنحو ثلاثة مليارات نسمة في الصين والهند وروسيا والبرازيل، وقد كان المزيد من الأمريكيين يمتلكون أسهماً في الأسواق المالية أكثر من أي شعب آخر في العالم حيث انهم يعتبرون النمو الاقتصادي والرخاء الشخصي أمر لا مفر منه ولكن اللعنة على تلك المصارف الآسيوية التي ربما تحول بعض أو كل احتياطيها خارج الدولار الأمريكي. ويتصف الأمريكيون الذين يعشقون الشراء بالائتمان والعيش فوق مقدراتهم بأنهم مستهلكون مدمنون على نحو أكثر مما تنتجه بلادهم ويتجهون للشراء من دول آسيوية في معظمها ولذلك فإن هذه الدول تشعر بسعادة كبيرة في رؤية الأمريكيين مدانين لهم بما يقارب 1,8 مليار دولار يومياً مع افتراض ان هذه الدول تقوم باستثمار عوائدها في الولاياتالمتحدة. ويبدو الأمر طيباً حتى الآن حيث ان كل شخص يشعر بالسعادة في الولاياتالمتحدة مع كل الأموال الأجنبية فقد تمكن الأمريكيون من الابقاء على معدلات الفائدة طويلة الأمد منخفضة وهي بالأمر الجيد للنمو المحلي.. أما الآسيويون في دول مثل الصين وتايوان وكوريا الجنوبية فإنهم يرون في صادراتهم الضخمة وسيلة لجلب الرخاء الاقتصادي لشعوبهم ولجمع مبالغ ضخمة من الدولارات في مصارفهم المركزية معظمها يستثمر في سندات للحكومة الأمريكية. ولذلك فإن الأمريكيين الذين استسلموا للتسوق أصبحوا يدخرون القليل ويستهلكون الكثير يعتمدون على ملبوسات وأغذية مستوردة بينما الآسيويون اتجهوا إلى المزيد من الادخار والقليل من الانفاق وإلى إيجاد المزيد من فرص العمل مما سيخرجهم من دائرة الفقر. وبالعودة إلى منتصف حقبة السبعينات فقد كان الأمريكيون يمتلكون الكثير من الأصول والأموال في الخارج بالمقارنة مع ما يملكه الأجانب في الولاياتالمتحدة غير أن الحال انقلب الآن ببيع أصول أمريكية إلى أجانب مثل بيع أسهم ومصانع وأعمال تجارية وأراضي مما سيكون في صالح المستثمرين الأجانب ومن المتوقع زيادة هذه المبيعات خلال العقد القادم. وانخفاض قيمة الدولار الأمريكي يجعل الصادرات الأمريكية رخيصة الشراء في الخارج مع جعل الاستيراد غالي الثمن للأمريكيين مما يوجد احتياطيات أجنبية يؤدي في نهاية المطاف إلى عكس عجلة تدني الدولار الأمريكي. غير أن هناك عقبتين أمام الدولار أولهما رفض الحكومات الآسيوية بجعل عملاتها ترتفع مقابل الدولار وهذا ينطبق تماماً مثل الصين المهمة ليست فقط بسبب عدد سكانها الضخم وأراضيها الشاسعة وإنما أيضاً لأن الولاياتالمتحدة تستورد 13 في المائة من حجم استيرادها من ذلك البلد الذي أصبح يشكل تهديداً للشركات الأمريكية لمنافستها لها في الأسواق العالمية ولأن دولاً آسيوية أخرى ترفض أيضاً خفض قيمة عملاتها ما لم تفعل الصين ذلك. وثانياً: وجود مشكلة في العجز الكبير في نفقات الحكومة الاتحادية خلال السنوات القليلة الماضية الذي يرتبط بتدني قيمة الدولار. إن آثار ارتفاع وهبوط الدولار الأمريكي مثار قلق للجميع في العالم وعند سؤال الأوروبيين عن ذلك فإنهم يشعرون باحباط لأن اليورو يمتص حجم التدني في العملة الأمريكية ولأن استثماراتهم في الولاياتالمتحدة فقدت 35 في المائة من قيمتها ولربما تفقد المزيد وكذلك الحال في الدول التي يمثل النفط صادراتها الرئيسة.