تعود الإشارة إلى أوائل نصوص شوقي الملحنة، حيث نواصل رحلتنا في كتاب " شوقيات الغناء" لأحمد عنتر مصطفى (المجلس الأعلى للثقافة،2010)، نشيد وضعه وغناه المطرب والملحن محمد عثمان (1855- 1900) عام 1899 ، وهناك نشيد الجمعية الخيرية الإسلامية الذي أنشده فرق التمثيل في الأوبرا الخديوية عام 1900. ظل الشك يحوم حول أنه كتب نص الدور المصري الشهير " يا ما انت واحشني" الذي لحنه وغناه محمد عثمان ثم غناه عبده الحمولي (1841- 1901)، وإن ظل يرشح أن يكون الشيخ محمد الدرويش. غير أن النص في طريقة كتابته يوحي بأسلوب شوقي: "يا ما انت واحشني وروحي فيك يا مآنس قلبي لمين أشكيك؟ أشكيك للي قادر يهديك.. أنا حالي في بعدك لم يرضيك" استمر تسجيل هذا الدور، خلال القرن العشرين مراراً، عبر تباري المطربين والمطربات، وأقصد أصحاب المواهب الكبيرة من حناجر لا تجارى، ويمكن الاستماع إلى هذا الدور في أسلوبه الأولي مع الشيخ سيد الصفتي وفي النسخة النسائية ماري جبران (1911- 1956) كما يمكن سماعه بشكل يجاري مزاج المنتصف الثاني من القرن العشرين عند المطرب السوري صباح فخري، وإن كان تسجيل ابنة جبران يفضل الجميع. وما يتصل بعلاقة شوقي بفن الغناء والموسيقى هو ما يتعدى كتابة نصوص الأغاني والاناشيد والمسرحيات إلى قصائد يلقيها في مناسبات غنائية وموسيقية مرة في رثاء مبدعين من أصدقائه، وأخرى في تحية حضور مؤتمر الموسيقى العربية الأول 1932. فقد كتب قصائد أكثر من مرة في تكريم ذكرى رموز عصر النهضة الموسيقية في القرن التاسع عشر، ويمكن أن تكون قصيدته في عبده الحمولي من أوائلهن : "ساجع الشرق طار عن أوكاره.. وتولى فن على آثاره" وهناك قصيدة في المغني عبد الحي حلمي (1858-1912)، ومطلعها : "طوي البساط وجفت الأقداح..وغدت عواطل بعدك الأفراح" وثمة قصيدة أخرى عن شيخ المطربين سلامة حجازي (1852-1917) تمجيداً لذكراه في ديسمبر 1931: "يا ثرى النيل في نواحيك طير .. كان دنيا وكان فرحة جيل" ومنح فقيد الفن سيد درويش ( 1893- 1923) قصيدة مطلعها: " كل يوم مهرجان كللوا ..فيه ميتاً برياحين الثناء " وفي مناسبة في بيت شوقي حضرت لتغني أم كلثوم (1899-1977)، ودعاها أحد الشخصيات لمشاركتهم شراب ذلك المساء فتمنعت عوضاً عن ذلك لم تقبل أن تأخذ مقابل الغناء منه ما دفعه إلى كتابة قصيدة جميلة : "سلوا كؤوس الطلا هل لامست فاها..واستخبروا الراح هل مست ثناياها؟" شدت بها أم كلثوم لاحقاً من تلحين رياض السنباطي عام 1946. وتحفظ في الشوقيات المجهولة قصيدة وضعها في تكريم عازف الكمان سامي الشوا: "الفن روضة يهز القاطنون به ..والسارقون جماعات ووجداناً لا تسأل الله فناً في كل آونة..واسأله في فترات الدهر فناناً" ولم يكفت شوقي بمبدعي مصر بل تجاوز إلى أن يقدم تحية شعرية إلى المؤلف الموسيقي الإيطالي فيردي (1813- 1901) الذس وضع أوبرا عايدة خصيصاً من أجل دار الأوبرا المصرية: "يكاد إذا هو غنى الورى.. بقافية ينطق القافية وكم آية في الأغاني له ..هي الشمس ليس لها ثانية" وبالطبع كلمة ( آية) تعني : العلامة والأثر . وألقى قصيدة في حفل افتتاح نادي الموسيقى الشرقي بحضور الملك فؤاد: "خطت يداك الروضة الغناء.. وفرغت من صحر الفنون بناء" وهناك قصيدة واكبت المؤتمر الأول للموسيقى العربية عام 1932 لترحب بالمشاركين والحضور: " نزل المناهل والربى آزار .. يحدو ربيع ركابه النوار حيته بالنغم الهواتف في الضحى.. وترنمت بثنائه الأوتار" وسنرى ما يتجاوز وضع القصائد في صفة الغناء والموسيقى ورموزهما ، ومناسبات الغناء من ترحيب وتكريم ، إلى ما يتصل بحالة الطرب وتجويد الغناء.