الدول الإسلامية تتحمل الجزء الأهم من المسؤولية عن إغاثة الشعب الباكستاني. وعلى هذه الدول أن تنسق جهودها على نحو فيه الكثير من التنظيم. وهناك اليوم حاجة لأعداد هائلة من الخيام، وكميات كبيرة من الأطعمة أسفرت الفيضانات التي اجتاحت مناطق شاسعة من باكستان عن خسائر بشرية ومادية كبيرة. ووضعت ملايين السكان في العراء، وتلفت أرزاق ملايين آخرين، وعرّضت عشرات الآلاف من الأطفال لأمراض وأوبئة خطرة. لقد ألحقت السيول أضراراً متفاوتة بعشرين مليون باكستاني، بينهم أربعة إلى ثمانية ملايين هم اليوم دون مأوى. وبدأت السيول تنحسر، تاركة قرى مدمرة وأوحالاً على امتداد النظر. لقد غمرت مياه الفيضانات، التي بدأت في 28 تموز/ يوليو الماضي بأمطار موسمية غزيرة، آلاف القرى، وبات بعضها أشبه بالأطلال. كذلك، جرفت السيول مئات الكيلومترات من الطرق، والعشرات من الجسور والبنى التحتية الأساسية. وضربت بسببها الزراعة الباكستانية، العمود الفقري لاقتصاد البلاد، إذ جرى تدمير أكثر من 1.71 مليون هكتار من القطن والذرة وقصب السكر. ودمرت السيول أيضاً نحو 500 ألف طن من القمح، كانت مخزنة لدى الناس. كما أتلفت نحو مليوني بالة من القطن. وحسب منظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، فإن نحو 200 ألف رأس من الماشية قد نفقت أو فُقدت، غير أن الأعداد النهائية ستكون أكبر بكثير وقد تصل إلى الملايين، ناهيك عن أن ملايين الدواجن قد نفقت مع اكتساح الفيضانات لها. يقول مسؤول برامج الفاو في باكستان: "الماشية في هذا البلد تمثل المصرف المتحرك للفقراء، ففي الأوقات المواتية يقوم الناس بإعداد حيواناتهم وتربيتها، بينما في الأوقات غير المواتية يقومون ببيع ماشيتهم من أجل الحصول على دخل نقدي. فكل حيوان يتم إنقاذه هو بمثابة رصيد يُمكّن الأسر الفقيرة من إعادة بناء حياتها حين تنحسر الفيضانات بصورة نهائية". ويستحوذ القطاع الزراعي على 43% من إجمالي قوة العمل الباكستانية، مقابل 20% للصناعة و 36.6% للخدمات. وأبرز منتجات باكستان الزراعية هي القمح والرز والسكر والقطن، كما تعتبر منتجا رئيسيا للحوم. ومن المتوقع أن تحصد إسلام آباد، ثالث أكبر دولة منتجة للقمح في آسيا، حوالي 24 مليون طن من المحصول في موسم 2009-2010، كما أن لديها مخزون مرحل من الموسم السابق. وتزيد مساحة باكستان قليلاً على 796 ألف كيلو متر مربع، منها 25.22 ألف كيلومتر مربع مسطحات مائية. ولديها سواحل تفوق قليلاً الألف كيلومتر، مقابل 6.774 كيلومتراً هي طول الحدود البرية. وبالإضافة إلى المياه الجوفية، تستمد باكستان مياهها من التدفق السنوي لنحو 190 مليار متر مكعب من المياه إلى منظومة الأندوس. ومعظمها مستمدة من الثلوج التي تذوب في جبال الهملايا. وتضم منظومة الأندوس بصفة أساسية أنهار الأندوس جهيلوم، وتشيناب وكابول. ويعتبر سد تاربيلا، الذي بني على نهر الأندوس، في ستينيات القرن العشرين، واحداً من أكبر السدود في العالم. أما سد كوتري، فقد تم بناؤه في العام 1956 قرب مدينة حيدر آباد، في إقليم السند. وهو يعد آخر السدود على نهر الأندوس، قبل أن يصب في بحر العرب، حيث تنتهي بصبه كارثة السيول. ويعيش نحو 1.5 مليون نسمة على ضفاف الجزء الأخير من نهر الأندوس، الممتد لحوالي 120 كيلومتراً، من سد كوتري في إقليم السند بجنوب باكستان. وفي العادة، يتدفق نهر الأندوس عبر سد كوتري بسرعة تصل إلى نحو 2.8 متر مكعب في الثانية، خلال المرحلة الأخيرة من رحلته إلى البحر، ولكنه تدفق أخيراً بسرعة تجاوزت 25.4 متراً مكعباً في الثانية، مما أدى إلى كارثة السيول. وفي المجمل، فإن ما نسبة 77% من سكان باكستان تقطن في حوض نهر الأندوس بتفرعاته المختلفة. ويبلغ عدد سكان باكستان 174.57 مليون نسمة، وفق مؤشرات منتصف العام 2010. وهي السادسة عالمياً على هذا الصعيد. ويقع أكثر من 36% من سكان البلاد تحت سن الخامسة عشرة. ونحو 59% بين 15 – 64 سنة. ويبلغ معدل النمو الديموغرافي السنوي للبلاد 1.55%. وفي العام 2009، بلغ الناتج القومي الإجمالي لباكستان 433.1 مليار دولار، فيما بلغ معدل دخل الفرد السنوي فيها 2600 دولار في العام نفسه. مقابل 5400 دولار في بوتان، 4500 دولار في سري لانكا، 3100 دولار في الهند، 1600 دولار في بنغلاديش،1200 دولار في نيبال و800 دولار في أفغانستان. وبلغت الميزانية العامة لباكستان 22.94 مليار دولار، في العام 2009، في حين بلغ الإنفاق 31.54 مليار دولار. وكانت نسبة الاستثمارات إلى الناتج القومي الإجمالي18.1 %. ويبلغ إجمالي صادرات البلاد 18.44 مليار دولار سنوياً، حسب مؤشرات العام 2009، فيما تبلغ إجمالي وارداتها 28.47 مليار دولار. وتستورد باكستان أكثر من ثلاثمائة ألف برميل من النفط يومياً، لكنها تمتلك اكتفاءً ذاتياً من الغاز الطبيعي. وفي نهاية آب/ أغسطس الماضي، تم إغلاق مصفاة الشركة الباكستانية - العربية للتكرير المحدودة (باركو)، جراء الفيضانات. وتنتج هذه المصفاة 100 ألف برميل يومياً، وستحتاج البلاد لاستيراد وقود الطائرات والبنزين لسد النقص في المعروض. وباركو مملوكة بنسبة 60% للحكومة الباكستانية، فيما تحوز شركة أبوظبي للاستثمارات البترولية على الحصة المتبقية. وسوف يتعين على باكستان اليوم اتخاذ خيارات صعبة في إعادة تخصيص الاستثمارات الحكومية، لأهم الأولويات، وإيجاد طرق لتعبئة الموارد. ويستلزم حجم المأساة مراجعة ميزانية الدولة وتوقعاتها للاقتصاد الكلي. وستكون المساعدات الأجنبية ضرورية، بالنظر إلى شح التمويل الداخلي، وعدم قدرته على مواجهة نتائج الفيضانات. وسوف يقوم مائة خبير دولي بتقييم الأضرار الناجمة عن السيول، في مجالات تشمل النقل والاتصالات والطاقة، والري ومياه الشرب والصرف الصحي، وخدمات الصحة والرعاية الاجتماعية، والإدارة العامة. وكانت باكستان قد لجأت إلى صندوق النقد الدولي، في تشرين الثاني /نوفمبر 2008، بعدما أوشكت على العجز عن سداد التزاماتها. وقد تلقت في أيار/ مايو الماضي الدفعة الخامسة ( 1.13 مليار دولار) من قرض الصندوق البالغ 11 مليار دولار. ومن الخيارات المتاحة الآن تعديل خطة هذه القروض لكي تأخذ في الحسبان الضغوط المالية الناجمة عن الفيضانات. أو اللجوء إلى التمويل الطارئ، الذي يخصصه صندوق النقد للبلدان المتضررة من الكوارث الطبيعية. على صعيد المساعدات الدولية، حصلت الأممالمتحدة على وعود تتخطى ال700 مليون دولار من أكثر من 30 دولة. وبحسب مكتب الأممالمتحدة، المخول تقديم حصيلة يومية لوعود المساعدات الإنسانية، فإن 490,7 مليون دولار من المساعدات قد تم دفعها بالفعل،حتى تاريخ العشرين من آب/ أغسطس الماضي. من جهته، أعلن البنك الآسيوي للتنمية أنه سيقدم حزمة مساعدات لباكستان بقيمة ملياريْ دولار،لإعانتها على إصلاح الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية.ولم يتضح ما إذا كانت الأموال ستقدم جميعها عبر قروض، أم ستكون مزيجاً من القروض والمنح. وقال البنك إنه يتوقع أن يمنح مساهماته لباكستان على مدى عامين، استناداً إلى نتائج تقرير يقيّم الأضرار والاحتياجات. ومن بين كافة دول العالم ومؤسساته، فإن الدول الإسلامية تتحمل الجزء الأهم من المسؤولية عن إغاثة الشعب الباكستاني. وعلى هذه الدول أن تنسق جهودها على نحو فيه الكثير من التنظيم. وهناك اليوم حاجة لأعداد هائلة من الخيام، وكميات كبيرة من الأطعمة ومياه الشرب، والأمصال والأدوية. هذا فضلاً عن عشرات المروحيات التي يجب على الدول الإسلامية وضعها في تصرف السلطات الباكستانية، حتى تتمكن من الوصول إلى القرى والبلدات المعزولة، والسكان الذين تقطعت بهم السبل. هذا على المدى الآني والعاجل. بعد ذلك، لابد من توفير الأموال اللازمة لإعادة بناء القرى، واستصلاح الحقول، التي يعيش عليها ملايين السكان. على الدول الإسلامية أن تتحرك لأن شعب باكستان أضحى أمانة في عنقها.