لم يعد ملف المرأة السعودية شأنا داخليا خاصا، بل بات أقرب إلى ساحة رحبة للإثارة والفضول، ومجالا خصبا للتحليل والنقاش! حيث أصبح موضوع المرأة السعودية أشبه بتلك المعشوقة في ملاعب التيارات والمنظمات والدول ما بين الاستحواذ عليها والدوران حولها، أو تمريرها والقذف بها، والكل في النهاية يروم تسجيل الأهداف في مرمى الخصم وإحراز النصر، وهذا ما يحترق له الفؤاد حسرة وأسى. وفي قراءة نقدية لإحدى تلك الروايات السعودية التي قالت عنها الكاتبة الكويتية ليلى العثمان: «أستحي أن أقرأها!» سجّل الكاتب الفلسطيني أحمد محمود القاسم إعجابه الشديد بجرأة كاتبة الرواية وما أسماه انفلاتها الشجاع من قيود الدين والمجتمع، ثم وعبر عدة مقالات كال أبشع وأقذع الشتائم والتهم للمجتمع السعودي ورجاله! ومن عباراته المكررة: «المرأة السعودية المقموعة في كل شيء، الرجل السعودي المُغلق المتحجر عقليا وروحيا الذي يحمل ثقافة موغلة في التخلف، المجتمع السعودي القاسي المعبأ بالحقد والكراهية، المرأة عبارة عن كم مهمل لا وجود له في العقلية الذكورية التي يحملها الكثير من رجال السعودية ذوي الأفكار التكفيرية، الظلم الواقع على المرأة من قِبل رجالات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذه المنظمة الإرهابية التي تحمل الفكر الوهابي المتزمت والتي أنجبت أحد عشر إرهابيا دمروا مبنى التجارة العالمي، رجال الهيئة ذوو العقول والأفكار المتعفنة الذين لا يتورعون عن إهانة المرأة السعودية....» ورغم شواهد الجهل والزيف والإجحاف في كلامه، إلا أنه بتباكيه على المرأة السعودية الرافلة - بفضلٍ من الله - في ثياب الأمن والعزة والرخاء وإعراضه عن شقيقتنا الفلسطينية المصطلية بلظى القهر والحرمان ذكّرني بالسياسة الأميركية العوراء التي تقود حملة الاحتجاج على أوضاع المرأة في المملكة وتمارس ضغوطها على الحكومة السعودية لفرض التغيير القسري تحت دعاوى إنصاف المرأة ورفع الظلم عنها، فيما تحتاج المرأة الأميركية من ينقذها من الأذى والاضطهاد الواقع عليها، إذ ترتفع سنويا نسب الجريمة والعنف ضدها «القتل، الضرب، الاغتصاب، الاستغلال..» بل قد تحتاج من ينصفها ويحميها حتى من نفسها إن سلكت درب الإدمان أو الدعارة أو الانتحار.. ولا عجب فكل تلك الأضرار ما هي إلا الحصاد المُرّ لما زرعته الحركات النسوية للتحرير والمساواة طيلة العقود الماضية. إن ما خطّه أحمد القاسم مع كونه أشد مغالطة وتجريحا لا يختلف كثيرا في محتواه وفكرته عما يكتبه يوميا بعض مثقفي الداخل السعودي ممن وصفهم النائب الثاني الأمير نايف بن عبدالعزيز ب «زوّار السفارات»، أو تلك التقارير والبيانات الصادرة عن الأممالمتحدة والمنظمات الدولية التي تتناول ظروف المرأة السعودية، وتتوجه بالنقد اللاذع لما تسميه تمييزا ضدها وسلبا لحقوقها. وتعتمد على المبالغة والتركيز على السلبيات وتضخيمها، مستعينة ومستخدمة لذلك بعض جنودها وأعوانها في الداخل من المتأثرين والمتأثرات ببريق الحضارة الغربية، ومستغلة لبعض أشكال الظلم الذي قد تتعرض له المرأة السعودية فهي كغيرها من نساء العالم قد تصادفها المشكلات وتعترض طريقها العوائق فلا يمكن إنكار بعض حوادث العنف أو التسلط، ووجود حالات من المعاناة أو العضل أو الحرمان من الميراث أو اعتداء وليها على حقوقها المادية أو المعنوية.! ولكن! يظل الخلل في الأهواء والأفهام لا في الإسلام، والحل لن تقدمه لنا الأممالمتحدة!. فمنذ تأسست حركات التحرير والمساواة الغربية وهي ترفع شعار إنقاذ المرأة ومنحها حقوقها وتدعيم حريتها واستقلالها، إلا أن الناظر لنتائج تلك الحركات ومنجزاتها حتى الآن يجد أنها إنما خدمت الرجل، وأغرقت المرأة في مزيد من الأعباء والواجبات وأن تلك المساواة لم ترفع عنها صنوف الشقاء والهوان بل خلّفت وراءها: مراهقة، حاملا، أما، عزباء، زوجة كادحة، عجوزا منبوذة تموت وحيدة إلا من كلب أو قطة. وقد تبنت الأممالمتحدة نشر تلك الثقافة وتسويق النموذج الغربي عبر المؤتمرات الدولية. إذ لم تصرف ملياراتها على المتضررات المسحوقات تحت وطأة الحروب والفقر والمرض لإيوائهن وحمايتهن وتحسين أوضاعهن، وإنما وجهتها لتطبيق أجندتها الخاصة وفرضها على الشعوب، أجندتها التي تدعو إلى الحرية الجنسية وترمي إلى ضرب قيم الزواج والأسرة، وإباحة الشذوذ والإجهاض.. ثم إلزام الدول بالخضوع لقراراتها وتنفيذ بنودها دون أن تقيم وزنا للمقومات الدينية والثقافية واختلافها بين الشعوب، أو تراعي بإرهابها الفكري حق المجتمعات في تحديد مصيرهم واختيار قناعاتهم. إن الأنثى من كل الأديان والأعراق تلتمس الأمن والاستقرار والاحترام والكرامة، والمرأة السعودية أسبغ عليها الإسلام الطمأنينة والسكينة، وأكرمتها بلادها بعد الله بالأمن والسلام والعيش الرغيد، والسعودي من أسخى الرجال وأظهرهم شهامة وغيرة. المرأة السعودية لا تحمل عبء لقمة العيش وعناء الركض وراء احتياجاتها فهي تُحاط منذ ولادتها بالرعاية والحماية والخدمة، حتى شبّهت بعض الدراسات حياتها بحياة الملكات اللواتي يحظين بالترف والدلال والاهتمام. المرأة السعودية كيانٌ قيّم يزداد تقديرها كلما تقدم عمرها وتُعامل وفق فكرها وثقافتها وليس مظهرها. تتعلم، تعمل، تتسوق، تتنزه، تسافر، ولا يحول دون ذلك غطاء وجهها ولا عدم قيادتها للسيارة. والمحرم الذي صوّره الناعقون وحشا أو قيدا إنما هو ذلك الأب الحنون أو الزوج الحبيب أو الأخ الغالي، والفصل بين الجنسين في ساحات العلم وأماكن العمل إنما يوفّر للمرأة جوا مريحا مناسبا يهيئها للتلقي والإبداع ويهبها حرية اللباس والحركة بعيدا عن أعين الرجال وضغوط تواجدهم. المرأة السعودية قوية ثابتة على قيمها، تستند في حقوقها على ما قرّره الشارع الحكيم وليست بحاجة لتدخلات الأممالمتحدة ووصاياها لتنصفها! وعلاقتها بالرجل أقامها خالقها على العدل والتكامل لا المساواة والتماثل، والحرية والحقوق لا يتمحوران حول قيادة سيارة أو تبرج واختلاط، إنها تؤمن أن حالها أفضل من كثير من نساء العالم، وأن وقوع بعض حالات الظلم هنا أو هناك لا يعني التمرد على الدين والانتفاض على المجتمع والتخلي عن دورها الفطري ومسؤوليتها العظيمة.