ما كان من مصلحة الدولة في المملكة توفر مناخ للتشدد الديني، هي الآن تواجه تصلبّات هذا التشدد الذي هو في الواقع ممر سهل التأثير لجذب الشاب المراهق من طموحات شبابه وواجباته الأسرية وتفتحه الديني إلى حظيرة الانغلاق، ثم دفعه فرحاً سعيداً نحو ممارسة التفجير.. ولعل هذا الجانب رغم بشاعته إلا أنه اجتماعياً ليس في شمولية خطورة الانغلاق بصرف الشباب عن فهم مختلف الثقافات وتخصصات العلوم التقنية مادامت «الجنة» متوفرة بما ليس معقولاً ولا مجازاً في عقلانية الفكر الإسلامي.. نحن بلد مليء بالإمكانيات الصاعدة بدءاً بجزالة وجود التمور ووصولاً لتعدد مجالات تقنية البترول، ومما يرصد في حساب الانحراف عزل المجتمع عن حقائق مميزاته إلى سلبيات انغلاقه.. الإسلام هو الذي صنع دولة العرب في بدايته فتوحّدت مجتمعات القبائل، ثم نشر حضارته كأول تبكير علمي وتعدد ثقافي في العالم، ولذا كان من الخطأ الفادح توفير أجواء في الماضي كي تتعدد فئات العزلة، وكأنهم يعتزلون عن مجتمع غير إسلامي، وهو الأكثر شمولاً في إسلاميته بين دول العالم بإقرار ذلك الانطواء وافتعال تكفير من ليس إسلامياً كما يريدون عندنا، أو ابتكار وحدانية الرأي بتركيز خصوصيته ويكون هو آية الله عند غيرنا.. إن مراجعة السيرة الشخصية لعدد ممّن قادوا توجه الانغلاق وإقرار مشروعية القتل سيجد فيها ضعف قادرية عقلية في كفاءة الوعي والفهم.. لنترك عزام أفغانستان، الذي أشاع الخرافات، ونتأمل السيرة الذاتية لأسامة بن لادن خلال ما رصده كتاب «الأبراج المشيّدة» في مراحل حياته، فهو كان يعاني من ثروة لم يعرف كيف يتصرف بها، وجرّب أن يجسد زعامة فردية في السودان فلم يفلح، وتصوّر في تعدّد الزواج مهمة انتشار لوجوده، ثم وجد المنحرفون في نظام القاعدة في شخصيته موهبة التوجيه نحو الأسوأ.. أليس من المؤلم أن نجد تجهيزاً في ولاية أمريكية لحفل إحراق القرآن.. مَنْ يريد أن يفعل ذلك لا يعرف شيئاً عن مضمون القرآن ولا عن مفاهيم دولته الأولى، لكنه يفهم جيداً حجم الخسائر البشعة التي أحدثتها جريمة الحادي عشر من سبتمبر.. وتتضح حماقة الاجرام عندما نراجع الفروق الهائلة بين التقدم الحضاري العلمي الغربي وبين قسوة التخلف وعياً ومعيشة في العالم الإسلامي.. فإذا أراد هؤلاء أن ينتصروا على مستوى وكفاءة ذلك التقدم الحضاري العلمي فإن أولى ضرورات الانتصار هي الوصول إلى مستويات ذلك التقدم إلا إذا كان بمقدورهم توفير مساكن جبال وعرة لغيرهم من مسلميهم.. أي التابعين لفكرهم.. إن أي إعلام يُنشر دولياً لتصحيح المعلومات عن الإسلام على ضآلته هو لا يواجه التراجع من رفض أولئك الآخرين الذي يريد أن يصحّح مفاهيمهم، ولكنه مهزوم سلفاً بوجود براهين عدوانية وحشية تُنشر باسم الإسلام..