أينما يوجد الحسد يأذن بإطلاق صافرات إنذار تنبه بوجود خطر يحدق بالمكان. من زمن هابيل وقابيل والحسد موجود على الأرض، ويسري في العروق ، تختلف أسماؤه وصفاته ويظل له طابع عام "الدمار والخراب". الحسد هو أصل الكره الذي تنشب على أثره كثير من الحروب النفسية والمعنوية والحسية، ويُقتل في ساحته معنى في الإنسانية عظيم (الألفة والمحبة والسكن). لولا الحسد لما وجدت العين، وغدا الإيمان بها حق، ولولا حسد المرء لأخيه، ولو لم يتمنى ما عنده لما أصابه بعينه، ولذا تسمى العين حسداً أحياناً. والحسد مرادف للحقد، والصمت أبلغ الكلام عن الحقد وما يترتب عليه، ومهما قلنا، فأعظم ما قد يقال ان الحقد لو لم يعرف قلب البشر لما قتل قابيل هابيل. إذاً الحسد هو حرب بدء الخليقة، وهو جرس الإنذار إلى آخر الزمان. .. الحسد حرب بلا ترقيم، وهو بعظمة الحرب العالمية، لأنه يعم العالم على اختلاف أجناسهم وألوانهم ولغاتهم ومعتقداتهم حين توحدهم لغة الحرب بقنابل الحسد. الحرب العالمية ما قبل الأولى كانت الحسد، والحرب ما بعد الأخيرة إلى أن يرث الله الأرض وما عليها سيكون سببها وأهدافها وأحداثها وخصومها الحسد وتبعاته. في كل معضلة بشرية ابحث عن الحسد وستجده الرقم الأول ، أو في المراتب الأولى في تعداد الأسباب. وأحسب أن إبليس يستغني بالحسد عن أعوانه وأنصاره، وما أقواه من نصير، يفرق قلوب أخوة دم ولحم، وينسي أوامر الشرع ونصوصه ووصاياه، ويوعز على أقل أحواله بالبعد، وقد يوصل للتحريض على القتل. الحسد وما أدراكم ما الحسد سم يسري في جسد العلاقات الإنسانية ويسممها بعد الصحة، ويقتلها ويقضي على حيويتها بل ووجودها. .. فالانتصار على الحسد هو انتصار للنفس، ومجاهدة لهواها، وقمع لإبليس، وإبطال لمخططاته، وسُمو فوق الضعف والضعة وقبيح الخصال.