الوضع القائم حاليا في سوق الأسهم السعودية وتراجع التداولات بشكل مخيف وتآكل المحافظ لا يعد أمرا غريب الحدوث بل هو نتيجة حتمية ونهاية طبيعية لكل القرارات والإجراءات بدعوى تنظيم السوق وإصلاحه. والنهاية الدراماتيكية المخيفة والحال التي بلغتها سوق الأسهم السعودية هذه الأيام أعتقد أنها تأخرت كثيرا فمنذ انهيار فبراير وهيئة السوق تصم آذانها عن سماع كل النصائح والتوجيهات التي أطلقها الذين كانوا ينظرون للمستقبل بعين حصيفة ويدركون الأخطاء الجسيمة التي مارستها الهيئة وهي تعتقد أنها في المسار الصحيح . كانت الهيئة تريد العمل جاهدة بكل ما أوتت من قوة على تعميق مبدأ أن تكون السوق استثمارية ومؤسساتية وأن هناك صناديق وجهات مالية محلية وأجنبية حين دخولها لسوق الأسهم السعودي بعدما يغادر الأفراد والمضاربون وينحسر دورهم هي من سيكون صانع السوق وصمام الأمان والحاجز القوي الذي يمنع أي انهيارات مستقبلية وان الأفراد والمضاربات هما الجهتان اللتان قادتا إلى انهيار فبراير فسعت الهيئة في كل قراراتها إلى جعل أدوار هاتين الجهتين محدودة للغاية ونجحت في ذلك نجاحا مدويا لأن الحقيقة الغائبة عن هيئة سوق المال أن شركاتنا ليست الجهة الآمنة التي يمكن الاستثمار فيها فمن يستثمر في شركات كانت رؤوس أموالها قبل 30 عاما بالمليارات يوم كان المليار يعادل في قوته الشرائية 10 مليارات حاليا شركات باستثناء بعضها، ولذلك جاءت الهيئة لتكون القشة التي قصمت ظهر البعير الكل أدار ظهره للسوق وتخلى عنها ويمم وجهه شطر الأسواق العالمية حيث الإدارات التي تحرص على خلق التوهج لأسواقها وتعميق الثقة في أسواقها بقراراتها الدقيقة والناجحة وتحرص أيضا على حماية أسواقها من الهزات لعل آخر الأخبار التي تتداولها وكالات الأنباء أن بورصة طوكيو تدرس مقترحا يتضمن تمديد ساعات العمل في البورصة لديها لزيادة أحجام التعاملات وخوفا من تسرب متداوليها للبورصات العالمية فالكل يبحث عن المصلحة وينشد الربح. لقد تم تمرير وتقديم الأزمة المالية العالمية كمبرر للوضع السيئ الذي آلت إليه سوق أسهمنا السعودية وردد بعض المسؤولين الاقتصاديين لدينا إنها أسواق الأسهم تترك للعرض والطلب ولا ينتظر أن تدعم أو أن يتدخل فيها أحد وإنها الأسواق العالمية وارتباطنا بها وأظن هذه الأزمة هي قميص عثمان وكلمة حق أُريدَ بها باطل فالأسواق العالمية تراجعت وهبطت لظروف معلومة ومشاكل اقتصادية جلية ضربت بقوة في عمق اقتصادياتها ولكنها مع ذلك أي الأسواق العالمية كما تأثرت بالظروف والأوضاع الاقتصادية الخاصة بها إلا أنها سرعان ما استعادت عافيتها وقوتها وقبل ذلك كانت الأزمة العالمية فرصة حقيقة لهذه الأسواق لتبني من جديد وتضاعف من جهودها وبكل ما أوتيت من قوة لتعزيز ثقة متداوليها فيها فالأزمات مضامير للمصداقية وللقدرات الإدارية ومجال رحب لإظهار المواهب في كيفية التعامل معها فالسوق الأمريكية أعلى المستويات التي سجلتها لمؤشر داو جونز 14161 في عام 2007 والناسداك قبل الأزمة بلغ 2200 نقطة وداو جونز هبط في عام 2009 إلى قريب من 6500 واستمر قاعه لمدة ثلاثة أشهر فقط، وفي نهاية مارس حلق مؤشر داو جونز بقوة وحدة إلى أن بلغ 11000 نقطة تراجع عنها بفعل بعض الأزمات ومنها أزمة اليونان وها هي الشركات الأمريكية والأوروبية تحقق أرباحا فاقت التوقعات بفعل التحركات السريعة والقرارات العاجلة الصحيحة التي أعادت قاطرة الاقتصاد العالمي إلى مساره الصحيح بعدما انحرف وأما سوق أسهمنا فمنذ خمس سنوات وهي في القاع تقبع ولم تخرج ولولا حساب المؤشر الجديد والاكتتابات الضخمة التي أعقبت الانهيار ورفع رؤوس أموال شركات موجودة داخل سوق الأسهم وإلا لكان مؤشرنا لا يتجاوز ألفي نقطة وهنيئا لنا بالشركات التي تم طرحها وذهب ضحيتها ما لا يحصى ودفع سوق أسهمنا ثمن هذه الاكتتابات ومرحى بشركات العمق ولتستمر عملية الانهيار بحجة الأزمة العالمية والعزاء موصول لكل متداول في سوق الأسهم في هذه السوق في الثقة وفي الأداء وفي حجم التعاملات وفي أعداد المتداولين ويبدو أن القائمين على سوق الأسهم لم يدركوا أن التكنولوجيا الحديثة قد كسرت الحواجز بين الأسواق وعمقت الفكر الاقتصادي لدى المتداولين فمن يبقى في سوق أسهم أضحى صعود شركة بالنسبة القصوى حدثا تتناوله وسائل الإعلام ويكون حديث مجالس ومن سيعيد المستثمرين الذين ذهبوا للسوق الأمريكية واشتروا سهم شركة فورد بدولار واحد حين الأزمة والآن يبلغ سعر السهم أربعة عشر دولارا لقد أصبح سوق أسهمنا دليل هاتف لكثرة الشركات العائلية المطروحة فيه وقريبا سيكون كتاب أنساب يجد كل إنسان فيه كل الأسر والعوائل.