الكثير يذكر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي ،العالم والمفسّر، نسأل الله له الرحمة والمثوبة ، وكيف كان يخصّص جلسة لحضور العامة من أهالي عنيزة ومن غيرهم ذكورا بالمواجهة المباشرة وإناثا من خلف حاجب ويأخذ من الجميع السؤال ويجيب بما عَِلم وتذكّر ورجّح . وسمّى رحمه الله نخبة من طلبته وأذن لهم بالفتيا حول العبادات والمعاملات الحياتية والأحوال الشخصية . ولا يذكر الناس أحدا من أولئك النخبة أراد أن يكون محلا للتباهي والتفاخر ومطامع الدنيا . ولا يُذكر عنهم أنهم أعطوا فتاوى دون حاجة أو سؤل سائل . ولم يكونوا يجلسون في الأمكنة الرئيسة ليعلو صوتهم . فتاوى " الميكروفونات " والصورة الملونة ذوات الخلفيات المزدانة بالزخارف ، جاءتنا حديثا . وبعض المفتين الحاليين يختار خلفية يزدحم فيها المريدون ، وهو يتحدّث ويفتي . في أسبوع غزو الكويت ظهر رجل وخلفية الصورة يظهر مسجد الملك خالد في الرياض ، وبين المسجد والواعظ مساحة كبيرة ألتمّ فيها مجموعة من مريديه الشباب ، يتبعونه ويُكثرون من التدافع ليظهروا معه على الشاشة ( الصور موجودة في أرشيف القناة الأولى ) . ذاك الشيخ يؤكّد بما يُشبه القسم أن صدام حسين لم يكن يهدف إلا قمع " الصحوة " والقضاء عليها . وليس في ذهنه ( يقصد صدام ) الحصول على أموال أو نفط ، ولا تفسير للغزو العراقي غير ذلك .. ! . التزم الشباب الذين كانوا يسيرون وراءه بما كان يقوله رائدهم ، ولم يجدوا أحداً ليقول لهم ليست المسألة بتلك الصورة . وسمعتُ له بعض الفتاوى قبل شهرين فقط ، ثم سمعته يتخلى عنها بعد يومين ( بعد أن اطلع على الصواب ... ! ) . في زمن كان الحبل راخياً ، ومغريات الشهرة والبهرجة والبريق كثيرة ، كثر مصدّرو فتاوى الميكروفون ، وأدلى البعض منهم بأقوال في أمور تؤثر سلباً في سير حياة الناس . وأظن أن خلف أعمالهم تلك طموحات شخصيّة وجذب اهتمام أهل القرار ، ولا يهمهم تعكير صفو العلاقة بين عائلة واحدة . سياق الفتاوى الغريبة التي تجتاح آذان وعقول المجتمع من دون استئذان، تحلل وتحرم ما يصدم الناس، كفتوى ( ... ) أو فتوى (... ) وصولاً إلى فتوى( ... ) الخطير في أمر هذه الفتاوى كونها تنتشر انتشار النار في الهشيم بسرعة فائقة وفي مدى واسع من الناس . يجلّون كل من يحمل لقب "شيخ"، لا يفتشون في ماضيه العلمي والفقهي، ولا يسألونه عن مصادر فتاواه، ولا يفرقون بين الفتوى والرأي.