اعترف أنني تفاجأت بعودة أنظمة التمويل والرهن العقاري إلى طاولة مجلس الشورى من جديد.. إلا أن الملاحظات التي رصدتها هيئة الخبراء تستحق هذا التأخر؛ وتتركز في جانبين؛ الأول: شرعية "أسلامة" مواد محددة في الأنظمة؛ والثاني حذف تقنين أشراف جهات الاختصاص مثل وزارة العدل؛ ومؤسسة النقد؛ وغيرها. ولم تمض أسابيع قليلة على إعادة هيئة الخبراء في مجلس الوزراء مشاريع منظومة الأنظمة التمويلية العقارية الجديدة إلى مجلس الشورى لإعادة دراسته، إلا وبدأت سوق العقارات السعودية تشهد تأثيراً في مستوى الأسعار الذي وصفوه بأنه مقبل على حالة من الركود الوقتي والترقب التي تمر بها المملكة، بالرغم من أن حجم الضرر والتأثير لم يتم رصده بعد لعدم وجود مؤشر عقاري قادر على رصد حالة السوق، خاصة أن الأسعار المعمول بها غير حقيقية عند العرض وفي حالة الشراء الفعلي. وتترقب الأوساط العقارية في المملكة تحولاً جذرياً في سوق العقارات من خلال التغيير في التشريعات والتنظيمات المتعلقة بالسوق، حيث دعا عدد من الخبراء والمهتمين بالقطاع العقاري إلى سرعة تفعيل نظام الرهن العقاري وتطبيقه على أرض الواقع بأسرع وقت ممكن قبل تفاقم أسعار العقار ومواصلتها الارتفاعات أو استمرارها في حالة الترقب التي طال أمدها. وحذر تقرير دولي (نشر أمس الأول) بالرياض من تداعيات تأخير البت في إقرار تلك الأنظمة؛ رغم أهميتها؛ إلا أنها – كما قلنا مراراً – أنها لن تكون الحل السحري لمشكلة تأمين تمويل المساكن لذوي الدخل المتوسط. وكانت جلسات «الشورى» قد شهدت مناقشات ساخنة بشأن التباين في وجهات النظر بين مجلسي الشورى والوزراء حيال مشاريع منظومة الأنظمة التمويلية العقارية الجديدة وما توصلت إليه من رأي تجاه التعديلات المدخلة على بعض موادها، والتي أعيدت للمجلس للمرة الثانية عملاً بالمادة 17من نظامه بعد إقراره المشاريع في وقت سابق ورفعها للملك. التأخير يعزز الشائعات التي تحدد ملامح السوق العقاري ومستوى الأسعار المتأرجح بين الركود الوقتي والنمو وتباينت مواقف أعضاء مجلس الشورى بشأن ما نصت عليه التعديلات المدخلة على بعض المواد محل التباين في هذه المشاريع (نظام التمويل العقاري، نظام مراقبة شركات التمويل، نظام التأجير التمويلي، ونظام الرهن العقاري المسجل) وكذلك بعض مواد نظام السوق المالية، التي شملت الحذف والإضافة في بعض المواد وتعديلات صياغية في مواد أخرى. وتحفظ البعض على ما ورد في تعديل الحكومة للمادة الثالثة من نظام التمويل العقاري بإضافة اللجان الشرعية في نص المادة بحيث «أن تكون مزاولة أي نوع من أنواع نشاط التمويل المحددة في النظام بما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية تقررها اللجان الشرعية وبما لا يخل بسلامة النظام المالي وعدالة التعاملات»، مشيرين إلى أن تجربة الاستعانة بهذه اللجان غير ناجحة وعملها يشهد فوضى إلى الآن، إضافة إلى أن التعامل معها سيكون من الصعوبة في حال كانت الشركات بالآلاف وسيكون هناك نوع من الخلل وعدم الانضباط. وينتظر السوق التصحيح بعد إقرار الأنظمة كونه ليس مشابهاً لما يحدث في سوق الأسهم والأوراق المالية، ففي العقارات يعتمد على حجم الطلب والعرض التي لم تصل بعد إلى نسبة متقاربة في ظل أن السوق بحاجة إلى مشاريع عقارية أكثر مما هي موجودة عليه الآن، كما يشاع أن يكون هناك انخفاض في السوق إلا أن ذلك لن يؤثر بشكل كلي في الأرباح، حيث سيكون ذلك الانخفاض السعري في الوحدات الجديدة التي تم بناؤها وفق الأسعار الحالية للمواد الإنشائية. ويمكن القول إن السوق قد تأثر بعض الشيء من حالة ترقب صدور أنظمة التمويل إلا أن هذا التأثير ليس له أي مردود سلبي على سيولة البنوك النقدية، خاصة أن نظام الرهن العقاري لم يطبق بعد، كما أن البنوك متحوطة كثيراً في ناحية تمويل المشاريع العقارية التي لا تجد فيها الضمانة الكافية المتمثلة في ضمان العقار، إضافة إلى أنه حتى ولو تم تطبيق نظام الرهن العقاري في الوقت الراهن فلن تكون له أي سلبيات تذكر، حيث ستطغى إيجابيته على هذه السلبيات، خاصة أنه سيؤهل أكثر من 60 في المائة من السعوديين لتلبية احتياجاتهم السكنية؛ ولذلك فإن البنوك تسابق الزمن خلال السنوات الثلاث الماضية بطرح منتجات مختلفة من برامج التمويلية (للافراد).. لكنها لم تفعل الأمر ذاتها لشركات التطوير؛ لأن نظام مؤسسة النقد لايجيز لها؛ ولعدم ثقة البنوك في بعض أو كثير من شركات التطوير. ويبدو بالفعل أن الشائعات لها الدور الأكبر في تحرك السوق العقارية، حيث يتسابق العديد من رجال الأعمال والعقاريين والمواطنين، على شراء أراض ومخططات في شرق جدة منذ الترويج لشائعة مرور خط قطار الحرمين بمحاذاة أحياء قويزة، وادي مريخ، الصواعد، المنار، المحاميد، الحرازات، الأجواد والأطلال. ولم تؤكد وزارة النقل أو تنف الشائعة المتداولة عن خط القطار، الذي تعتزم وزارة النقل تنفيذ مشروعه ليربط بين مكةالمكرمة والمدينة المنورة، لكن تلك الشائعة رفعت أسعار الأراضي في شرق جدة بنسب وصلت إلى 300 في المائة، ويقدر حجم المبالغ المستثمرة في المواقع التي ينتظر مرور خط القطار بها بحسب الشائعة، بأكثر من مليار ونصف المليار ريال. والسوق العقارية السعودية بعد أن فتحت أبوابها للاستثمار الخليجي والأجنبي أصبحت أكثر عالمية، لذلك فإنها لم تعد تحت سيطرة السوق المحلية والشائعات والمضاربات، بل أصبحت سوقا تحكمها المتغيرات الدولية سواء السياسية أو الاقتصادية أو البيئية. واليوم أكبر الاستثمارات العقارية التي نراها منذ نحو 5 سنوات هي خليجية وعالمية وتقدر بمئات المليارات. ويتوقع استمرار صعود هذه الأسعار للسنوات الخمس المقبلة. وأوضح خبراء عقاريون ان ارتفاع أسعار العقار له علاقة كبيرة بما تنفقه الدولة على البنية التحتية والمشاريع الكبرى التي تجعل مدننا من أكثر مدن المنطقة تقدما. وكل مبلغ يصرف على البنية له مردوده في رفع أسعار العقار بنسبة معينة، بل إن الصرف على البنية التحتية يجعلها الوحيدة في المنطقة والأكثر جاذبية للاستثمار. ويؤكد هؤلاء الخبراء أن السوق العقارية ستستمر في نهضتها وقفزاتها الهائلة للتطوير العقاري والحضاري، وستستمر بحقبة لم يشهدها تاريخ الاستثمار العقاري بعد ولن تقارن بالحقبة الماضية. خاصة إذا ما تم اعتماد بعض الأنظمة التي تأخر العمل بها كثيراً، مشيرين إلى أن الطفرة المقبلة يعوقها عدم اكتمال وتوفير البيئة القانونية والتنظيمية، كما أنها ستحتاج إلى قدر كبير من التخطيط والتنسيق والحذر لعدم تضارب التوجه الذي ستمليه الاستثمارات في المدن الاقتصادية على توجه واستثمارات بقية العقاريين في المدن والضواحي الحالية والمخططات التقليدية. وتهدف أنظمة التمويل العقاري الجديدة إلى التأثير إيجاباً بما يعالج أزمة الإسكان في المملكة ودفع عجلة التنمية الإسكانية والعقارية لأن ذلك سيؤدي إلى زيادة إسهام الجهات التمويلية في عملية التمويل للإسكان. كما تقدم هذه الأنظمة تنظيماً جديداً لكثير من مشكلات التمويل، حيث استحدثت قطاعاً مالياً جديداً وهو شركات التمويل غير البنكية لترفع تنافسية القطاع التمويلي والمصرفي، ما سيحقق مصلحة كبرى للمواطن. وتوقع تقرير مصرفي تضاعف سوق القروض العقارية في السعودية مع عام 2012 بمعدل خمس مرات ليصل إلى 86.5 مليار ريال، مؤكداً ارتفاع الطلب على الوحدات السكنية في السعودية ليفوق 1.3مليون وحدة على مدى السنوات السبع المقبلة وأن تكون هناك حاجة لاستثمار 680مليار ريال في هذا القطاع، سيكون النصيب الأكبر منها، أكثر من 600مليار ريال في المناطق الرئيسية الأربع في المملكة وهي مكة والرياض والمدينة والمنطقة الشرقية. ويوفر قطاع العقار والبناء، بحسب تقرير شركة الأهلي كابيتال، واحدة من أكثر الفرص جاذبية في المنطقة. فمع كون 70 في المائة من السكان في المملكة هم دون سن 30 وارتفاع التعداد السكاني بمعدل عال، فإن من المرجح أن يكون هناك نقص حاد في الوحدات السكنية. وترى بأن المحرك الأقوى في القطاع هو نظام الرهن المنتظر صدوره. ففي إبريل 2008، ارتفعت الإيجارات بنسبة 20.4 في المائة عنها في العام السابق وهو ما ساهم في رفع معدل التضخم الذي قفز إلى أعلى مستوى له في 27سنة ليصل إلى 10.5 في المائة، بسبب نقص معروض الوحدات السكنية واضطر الأفراد إلى الاستئجار (بدلا من الشراء).