كذب حين حكى لي حكايته.... لم يقل لي عنها شيئاً ... تركها لأخر حكايته ونساها، أو أصطنع النسيان ... كان صديقي، تجمعنا الضحكة، وبسيرنا الوقت، لم نكن نفترق، كان يستدل عليه بواسطتي، وكنت أستدل به، سنين عديدة مرت بجانبنا، كنت أراه طريقي، وكان يراني سعادته، وافترقنا لم يفرقنا اختلاف وجهة نظر، ولم يفرقنا المدن، افترقنا حين سيطر عليه الطمع، ونسى إنني صديقه الذي يستدل به بواسطتي ... لم يكن هو سوى أسير الطرقات ، تأخذه خطواته نحو مقر عمله، والذي لا يبعد كثيراً عن دار والده القديم، الذي مات وعلقت روحه بين الأرض والسماء لدين سابق عليه، كان يبكي ويستنجد بي أن أساعده يسدد دين أبيه، فلم أتورع، حين أتى إلي ذات مساء بعد أيام العزاء، وبكى بين يدي، مسحت دموعه، وقلت له :- = أن أبيك هو أبي.... وسددت دين أبيه كاملاً .... لم يكن هذا هو الموقف الوحيد الذي سجلته في سجل صديقي فايز، ذلك السجل الذي كتب بقلم رصاص في وقت كان فايز يعشق مسك الممحاة بكلتا يديه ... ربما احتاج إلى حكايات كثيرة لأحكي لكم عن حكاياته، وربما احتاج لقلب غير قلبي لأصف لكم كل شيء، فلم أتوقع يوماً من الأيام أن أكون هنا... أمام صديقي !... -2- كنت معه حينما طرد من عمله في المستشفى بعدما صال وجال خلف النساء المراجعات للمستشفى، لم يكن ينظر إليهم على أنهن مرضى، بل كان يبحث عن ما هو خارج نطاق أسوار المستشفى... قال لي :- = حينما تشدني فتاة بقوامها ونظراتها، لم أكن أعطيها الموعد كما تحب، كنت أقول لها أن الموعد مع الطبيب سيكون بعيداً، وحينما أشعر بأنها محتاجة للموعد أقول لها :- = سأحاول أن أقرب لك الموعد بالاتفاق مع الطبيب، ولكن أمهليني بعض الوقت، هذا رقم هاتفي المحمول وتابعي معي. تأخذه الفتاة بلهفة الموعد مع الطبيب وهنا أيقن أنها وقعت في شباكي... يقول ذلك ويقهقه بصوت عال، بعدما يسرد سجل أسماء الفتيات اللاتي وقعن بنفس الشرك ... كل شيء يحدث في المستشفى، كان يقول لي عنه، وكل حديثه كان عن النساء !!!.... يحدثني دائماً بقوله :- = أتتذكر تلك الفتاة التي قلت لك عن قصتها ... – وحين يجدني لا أتذكرها – يسرد لي بعض مغامراته معها لأتذكرها، وبالفعل أتذكرها، ثم يقول لي الجديد في حكاية تلك الفتاة، والتي لا تتعدى سوى أنه خرج معها ونام معها.... عدا تلك الفتاة لم يسرد لي حكايتها معها، لم أكن أستغرب صمته أمام تلك الحقيقة، لأن أحد الأصدقاء والذي كان يعمل في المستشفى قال لي :- = أصبحت الآن زوجته !!!.... -3- صديقي وأعرفه جيداً.... لم تكن تكفيه امرأة واحدة .... كان زواجه حدث أثناء دراستي في الخارج، وكانت وقتذاك علاقتنا شبه مقطوعة، وحين عدت من غربتي، وجدته متزوجاُ ولديه بنت !!!.... كان الفارق بين زواجه وعودتي ستة أشهر فقط !!!.... كان كاذباً حين قال لي أنه متزوج منذ أكثر من سنة، وقال لي نفس الشخص الذي أعطاني معلومة أنها أصبحت زوجته :- = كانت مطلقة، ولم تكن تفر من نظراته، حيث كانت تعمل في نفس المستشفى، وكانت هي تتعمد أن تمر من جانبه، لتلفت نظره، فتعارفا، ومكثا مع بعض مدة طويلة، وفجأة قال لنا أنه سيتزوجها، وبالفعل تزوجا... زميلة زوجته والتي تعمل معها، قالت أنها حامل، وبعدها تزوجا، لقد صادته بالحمل، وصادها هو بالعبث !.... ما لفت نظري أنه غير سعيد، رغم أنه يعرف أكثر من امرأة، كان يخاف منها، وإذا تحدث معي أجده شخصاً آخر غير الذي أعرفه، وحين يتحدث عنها أجد شخصاً لا أعرفه بتاتاً ... -4- كل شيء كنت أتوقعه منه .... لكن أن يحلف كذاباً ... ويسرقني ... كان فوق قدرة توقعاتي .... بالفعل، لقد سرق.... رفعته عالياً في داره ومجتمعه، ولم أعلم أن سقف داره وسقف مجتمعه كان واطئين!!!... ائتمنته على عمل، حين أعطيته المال، وفتحنا باب رزق لنا، عاملته كما أنا، جعلته لا يفكر بالغد كالأيام الخوالي، رحمت قدميه من مشط الأرصفة، وجعلته يعرف طعم الشبع، وسرقني!!!... حين عدت لباب الرزق لنا وجدته الأبواب مؤصدة، أستغرب أول الأمر، ولكن حين فتحته بمفتاحي لم يُفتح الباب !!!. انتظرته أن يأتي بعدما أعتاد على النوم، وحين أتى، تغيرت ملامحه، لم يتوقع مجيئي هكذا، كانت أنفاسه تدفع الباب، حينما عالجه بمفتاحه، وحين دخلنا المكتب، وقرأت الأوراق والأرباح وجدت رقم حسابه حاضراً بقوة في كل ورقة!. لم أغضب عليه، ولم أفقد أعصابي، ولكني طردته حافياً من المكتب، وطردت أسمه من سجل ذاكرتي .... -5- ألبسته ثوباً يستر عري نفسه .... وأطعمته ما يسد به رمق جوعه .... وعلمته أن بعد الألف ألف ثانية .... فتحت له أبواب قلبي، وشرع هو في الدخول وهو يتحدث عن الوفاء، اقتسمت معه الضحكة لينسى دمعته الوحيدة التي تعانق عينيه كل مساء، أعددته رجلاً آخر، وقدمت له كل شيء ... كل شيء .... وحين رفع رأسه لم يرني !!!...