من يرتدْ الأسواق على فترات متباعدة، ولشراء ما يلزم فقط، سيفاجأ منذ بداية الاجازة الصيفية بالزحام الهائل، والكثافة العددية للمتسوقين التي تعود بالربح على أصحاب المحلات التجارية! أعداد هائلة من النساء والأطفال، وأعداد قليلة من الرجال الذين ليس بإمكانهم تحمل طول مدة التسوق والشراء، والتي تمددها بعض النساء لساعات طويلة دون أن تتوقف إلا لفترات انغلاق المحلات لأداء صلاة المغرب والعشاء! وأنا أتأمل هذه الأعداد الهائلة من المتسوقات في محلات الملابس ومنذ يومين فقط قبل دخول الشهر الفضيل، ومثلها أعداد مضاعفة في السوبر ماركت والهايبر أتوقف أمام القوة الشرائية للكثير من المواطنين رغم ضعف امكاناتهم، لهذه المصروفات الباهظة والبعيدة عن التوفير، أو حتى شراء ما نحتاج إليه فقط وليس ما ينبغي أن نشتريه من التخفيضات، وضرورة الشراء بحكم أننا في الإجازة فقط! هذه القوة الشرائية الهائلة للمواطنين السعوديين تجعل أحدهم يعلق بأن المستوى المادي للغالبية مرتفع، وأنهم أيضاً لديهم القدرة على التسوق، والدفع الفوري وهذا ينفي ارتفاع معدلات البطالة، أو تلك الأحاديث التي تتحدث عن الفقر، أو من يعيشون تحت خط الفقر! ولكن من يعلق فإنه يتحدث عن صورة بارزة وعن ملامح المدن الكبيرة المعروفة بمولاتها، ومجمعاتها الشرائية، وفي نفس الوقت لم يطرق أبواب أطراف هذه المدن، أو حواريها القديمة، أو الجنوبية، لم يتواصل مع من هم هناك يقطنون المساكن الشعبية، ويعيشون على مساعدات الضمان الاجتماعي، أو تلك الرواتب المحدودة التي لا تكفي لمعيشة أسبوع واحد، هؤلاء لا يعرفون التسوق في المولات، وإن ارتادوها من باب الفرجة، وعلى استحياء، وبغربة شديدة تشعرهم بها الماركات المعروضة، والخوف من الدخول إلى المحلات. مثل هؤلاء ينتظرون إفطار صائم، واحتياجات رمضان لأنهم غير قادرين على الشراء، وان اشتروا ففي حدود أساسيات طعام رمضان! مثل هؤلاء هم الأكثر حاجة للذهاب إليهم، وتكريس بوادر الفرح داخلهم من خلال المساعدة، وتوفير ما يحتاجونه في هذا الشهر الكريم الذي هو كله خير وبركة! شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، وليس شهر الأطعمة والعربات الثلاث والأربع التي تسحبها الأسر أمامها، وخلفها، ليس شهر التكالب على المعروضات وتخفيضات الهايبر والسوبرماركت، والقتال عليها، حتى إن هذه المحلات تكتب: صنف لكل فرد ومع ذذلك يتحايل المشترون على الإعلان بعدة طرق ومن ضمنها عند شراء سلطان شهر الصيام، أو المتفوق الأول على الجميع، أو الرقم واحد لدى المتسوقين (الفيمتو) وجماعته، والذي لم أعرف حتى اللحظة منذ أن كنت طفلة سبب تعلق الناس به وشراءهم له بكثافة في رمضان رغم انه الآن قد تغيرت الأوضاع المعيشية للأسر حيث يمكن شراؤه وتناوله طوال العام لكن لايزال في رمضان هو المطلوب الأول، وهو الذي يكثر البحث عنه في كل مكان، وتتسابق المحلات على عرضه مخفضاً! العام الماضي كنت في سوبر ماركت كبير أقف أمام الكاشير أتأمل الزحام وفجأة شاهدت مشهداً لن أنساه تكاثر بشري رهيب في بقعة لا تتجاوز 3م في 2م، وبشر يسقط بعضهم وأيد تتطاير وتتداخل وصراخ، وآخرون قادمون من الخارج، وعند السؤال قيل إن المحل في هذا الوقت ولمدة ساعة واحدة فقط لثلاثة أيام يعرض الفيمتو بريال واحد و2 زجاجة لكل شخص، الحقيقة ان المنظر خلا من حضاريته، وإنسانيته، ويُسأل عنه المحل والمتسوقون! منذ يومين وأنا أقف مع والدتي أمام الكاشير والسائق يتقدم بالعربة كان أحد الأشخاص الذي يسبقني بعربته يملؤها فقط بالفيمتو حوالي 30 زجاجة ومعه ابنتان له مراهقتان، كان سعيداً جداً، ولكن كان مهموماً بكيفية تمريرها من الكاشير وفجأة التفت وبدأ في توزيع عربته على كل الجنسيات التي تقف ليس في الممر الذي هو به ولكن تعدى إلى ممرات أخرى قريبة، جنسيات آسيوية وعربية، وزع على كل شخص زجاجتين وعليها 5 ريالات ونلتقي بعد الكاشير، الطريف في الأمر أن كل من طلب مساعدتهم وافقوا واستلموا وسلموا في الخارج، حتى سائقي وصل عليه وسلمه 5 ريالات وزجاجتين، لم يرد استلامها إلا بعد أن التفت عليّ وهو يقول في مشكلة كلم مدام (وقبل أن يكلمني، قالت ابنته ممكن بس أنا استلمها بره) لا أعرف ماذا أقول وأنا أتابع المشهد، والبنتان تغادران وهما يتركان الأب منتظراً دوره مع 6 زجاجات له ولهما، وتقفان بعد الكاشير تستلمان الزجاجات ممن دفع لهم! وأنا أغادر الهايبر كانت أحاسيس الفرح تتفجر من وجوه الثلاثة الأب وبنتيه وكأنهم قد حققوا انتصاراً كبيراً، لم استغرب فما أجمل الحياة عندما يستمتع بها من يريد أن يعيشها بطريقته، حتى وإن كانت متحايلة بزجاجة فيمتو!