القطاع الخاص والرؤية    المحامي عن ثرواتنا الطبيعية    السعودية ودعم المبادرات العالمية    إعادة إنتاج التفخيخ الديماغوجي    العلاقة الملتهبة بين المال والسلطة!    هل يستمر نيمار ؟    "العُلا" و"الابتسام" إلى نهائي كرة الطائرة الشاطئية    نورة الفيصل ل«عكاظ»: «فنون التراث» تبرز الهوية السعودية برؤية عصرية    حصة بنت سلمان: مدارس الرياض الحلم السابق لعصره    السجل العقاري يبدأ تسجيل 28 حيًا بمنطقة مكة المكرمة    "إسناد" تعزز الشفافية المالية في قطاع التعدين    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية في وفاة الشيخ عبدالله الصباح    أمير الرياض يستقبل السفير العماني.. ويعزي المباركي    مفوض «الأونروا» يشيد بجهود المملكة في إنهاء صراع غزة    نواف سلاّم القاضي النزيه رئيسا لوزراء لبنان    ميزة من واتساب لمشاركة الموسيقى في الحالة    التويجري رفعت الشكر للقيادة لصدور الأمر الملكي.. تشكيل مجلس «هيئة حقوق الإنسان» في دورته الخامسة    لمسة وفاء.. المهندس غانم الجذعان    في انطلاق الجولة ال 16 من دوري روشن.. الاتفاق يستقبل الأهلي.. والفيحاء والرائد يستضيفان الخلود والأخدود    البرازيلي «ريتشارليسون» يقترب من دوري روشن    سان جيرمان ينافس الهلال للتعاقد مع محمد صلاح    البطل يزيد الراجحي.. «10 أعوام.. نحو تحقيق الأحلام»    مبابي يقود ريال مدريد لاستعادة الصدارة    جمعية أصدقاء ذوي الإعاقة تنظّم بطولة رياضية    أمير الشرقية يرعى اللقاء السنوي للجهات الأهلية    تتسبب في سجن رجل بريء لأن ملامحه أزعجتها    مركز الملك سلمان يواصل مساعداته الإغاثية للشعب السوري    المعجب يتفقد "نيابة جازان"    أمير الشرقية يرعى لقاء الجهات الأهلية.. ويهنئ الفائزين في معرض سيول للاختراعات    الاتفاق يُحقّق جائزة الملك عبدالعزيز للجودة والتميز    تجربتي مع القطار.. أكثر من مجرد وسيلة نقل    نصائح للكاتب الهازئ في إرباك القارئ    الصداقة بين القيمة والسموم، متى يكون التخلص من الأصدقاء ضرورة وليست أنانية؟    قصة «جريش العقيلي» (1)    الجار    النجدي مديرًا لمستشفى الملك فهد في جازان    التدخين والمعسل وارتباطهما بالوعي والأخلاق    شرب ماء أكثر لا يعني صحة أفضل    محمد سعيد حارب.. صانع أشهر مسلسل كرتوني خليجي    «مسام» ينتزع 732 لغماً في اليمن خلال أسبوع    وزير الخارجية القطري يتلقى اتصالًا هاتفيًا من وزير الخارجية الأمريكي    سكينة آل غالب إلى رحمة الله    "تيك توك" تعود إلى الخدمة في الولايات المتحدة    الاحتلال الإسرائيلي يفرج عن 90 أسيرًا فلسطينيًا    مدينة الأحلام تبهر فناني ومشاهير جوي أوردز    أمير الرياض يعزي في وفاة المباركي    احذروا ثم احذروا منهم    العرب والغرب في الرياض لوحدة سوريا ونهضتها    رمزية الأعداد الفردية والتوحيد    ولي العهد السعودي الأكثر تأثيرا للمرة الرابعة    الأمير والبطل    الحب لا يشيخ    قطاع ومستشفى البرك يُفعّل حملة "شتاء صحي"    في 56 موقعاً.. الأحوال المدنية تنقل خدماتها للمستفيدين عبر وحداتها المتنقلة    مجمع الملك سلمان العالمي للُّغة العربيَّة ومنظَّمة "الألكسو" ينظِّمان ندوة تقرير السِّياسات اللُّغويَّة في الدُّول العربيَّة بتونس    أكدت على الحقوق الفلسطينية وأشادت بجهود الوسطاء.. المملكة ترحب باتفاق وقف النار في قطاع غزة    السديس: لحظة تاريخية استثنائية.. إطلاق أكبر هيكلة تنظيمية برئاسة الشؤون الدينية في الحرمين    تأثيرات صحية لاستخدام الباراسيتامول بانتظام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التعميم النمطي الخاطئ
ايقاع الحرف
نشر في الرياض يوم 08 - 08 - 2010

يسعى العقل البشري إلى فهم العالم من حوله من خلال مجموعة مواصفات عامة، ولتسهيل ذلك يستخدم أسلوب التعميم بما يساعد على عمليات التعرف والإدراك والحكم. وقد يقع المرء ضحية لهذه الطريقة حينما يعمل عقله من خلال الأطر الجاهزة ولا يستطيع الخروج عن الأنماط الجاهزة، فيقع فيما يعرف بالتعميم النمطي الخاطئ. ولو بحثنا في مظاهر هذا النوع من التعميم النمطي، لوجدناه متواجدًا بكثرة في حياتنا. فنحن نُعمّم الحكم على الناس وعلى الأشياء وعلى المواقف، متناسين الفروق الفردية بين البشر والاختلافات الطبيعية بين الناس ، وتباين الظروف المحيطة بكل حالة وكل موقف. وبقدر مانجد التعميم النمطي موجهًا ضد أو مع الأفراد، فإنه كذلك يوجّه مع أو ضد الشعوب والأمم والتقاليد والأديان والثقافات. فمثلا، نجد البعض يتساهل في كيل السب والشتائم ضد شعب أو ثقافة أو ربما دين معين دون فهم أن الحديث يشمل مجموعة كبيرة من الناس قد تختلف في أفكارها واعتقاداتها، وربما تكون على النقيض تمامًا ممّا يُظن عنهم. وهذه النظرة العمومية تحرق الأخضر واليابس وتصوّر العالم بشكل غير واقعي. ومع هذا، فإن هذه الأفكار تجد رواجًا عند فئة معينة لأنها لاتجلب العناء ولا الجهد في التفكير والبحث والتقصي، فمن السهل جدًا أن نقول مثلا إن الشعوب الأفريقية جميعها متخلفة، أو أن أوروبا تكره الإسلام، أو أن الأمريكيين يؤيدون إسرائيل ويحتقرون العرب..إلخ. هذه العبارات مختصرة وتعبر عن قوالب فكرية جاهزة. ومع أنها قوية للغاية إلا أن أصحابها في الغالب يقولونها بسهولة وسلاسة وربما دون تفكير، بل ربما يدافعون عنها بشراسة وبلا نقاش. ومن يتجرأ أن يستدرك عليهم أو يعترض، فقد يصنّف بأنه موالٍ للغرب أو سفيه أو علماني وغير ذلك من الأوصاف السلبية الجاهزة كذلك. هذه الأفكار النمطية تتكاثر بشكل محير، وأصحابها يرون كل قبح الدنيا فيمن يصنفونه ضدهم وفي المقابل فإن الجمال والكمال كله يكمن فيمن يكون معهم. ويلاحظ أن حاملي هذه الأفكار الجاهزة يعتمدون على تغذيتها من مصادر معينة لاتقبل التنوع، وفي الغالب لايكترثون لأي معلومات تأتي على النقيض مما يعرفونه أو مخالفة لما يمكن لهم تصوره. فعلى سبيل المثال، إذا كان الشخص لديه أفكار نمطية تقول بأن الأمريكان أعداء للإسلام، فلن يهتم كثيرًا بسماح الأمريكين ببناء مسجد ومركز إسلامي قريب من المنطقة التي سقط فيها البرجان في نيويورك. وسيفوته أن شخصيات أوروبية وأمريكية ومنهم حارس أسبانيا كاسياس سيقودون أسطول الحرية 2 الذي سوف يسير هناك بعد عيد الفطر المبارك، ضمن الجهود الإنسانية لفك الحصار عن غزة ومساعدة شعبها المنكوب بمعونات جهزتها أياد أغلبها غربية ومسيحية. ولن يهتم إذا ماعلم أن بريطانيا تسجن مواطنيها بالسنوات لأنهم اعتدوا على مسلمين. وقد لايعرف أن الكثير من المسلمين في الغرب يجدون فرصة من رؤسائهم في العمل ، أو أعضاء هيئة التدريس في جامعاتهم للصلاة في المسجد يوم الجمعة وقضاء بعض اليوم بعيدًا عن العمل أو الدراسة، والبعض كذلك يتمتّع بمرونة أكثر في العمل خلال شهر رمضان مراعاة لصيام المسلمين. والعقل النمطي لديه آليات دفاع جاهزة عن أفكاره، فحينما يطلع الفرد على ما يخالف مالديه من أفكار، ولو أخذنا المثال السابق، سنجد أن عقله مشحون تلقائيًا بطاقة العداء والنفور بحيث يجلب ما يؤيد أفكاره من أخبار، فيقول: وماذا عن حرق القرآن الكريم الذي يقال إن البعض قام به؟ فهذا الخبر حينما يقرأونه يسجل بقوة لأنه يدعم المنظومة الفكرية النمطية لديهم ويزيدهم راحة بأنهم على حق. ولكن ربما لم يقرأوا أن هناك حملات مسيحية يقودها الإفانجليكيون من المنظمة الوطنية للإفانجلكيين من كبار الكنيسة تحذر من الاعتداء على القرآن الكريم وتدعو إلى وقف أي عمل كاره للتسامح الديني. من الواضح أن الفئة التي تدعم التعميم الخاطئ ضد الآخرين أسوأ نتيجةً من التعميم النمطي الخاطئ الموالي، لأن التعميم المضاد يُنتج الكراهية والنفور من المختلف. والحقيقة أن التعميم النمطي لايقتصر على دين أو ثقافة أو عرق معين، فالعرب والمسلمون اكتووا بنار الأفكار النمطية العنصرية مثلما تضرر منها الغرب كذلك. فبعضنا يسمع ويرى تصرفات عنصرية من الآخرين ثم يحقد على الشعب كله أو الدين كله، وكأن كل الناس سواسية متناسين تمامًا أنه ربما يكون هناك من يعارض ماحصل وبشدة من الشعب والدين ذاته. ولو نظرنا إلى التعميم النمطي باعتباره ممارسة عقلية، لوجدنا العالم ينوء به، فمثلا نسمع عبارات من بعض العرب والأجانب قد تشتمل على معلومات مثل: «كل بنغالي لايعرف يعمل» أو «كل ياباني ذكي ومنظم» أو «كل ألماني متعجرف» أو «كل فرنسي رومانسي» أو «كل إيطالي يحب البيتزا والأوبرا» أو «كل أفريقي رياضي» أو «كل كوري يأكل الكلاب» أو «كل روسي جاسوس» أو «كل هولندي يكره العرب» أو «كل أمريكي يحب اليهود» أو «كل إيرلندي يعشق الكحول» أو «كل امراة مسلمة مظلومة» أو «كل رجل عربي يضرب المرأة» أو «كل أفغاني يحب الأفيون» أو «كل لاتيني يجيد الرقص»، والقائمة تطول من التعميمات الإيجابية والسلبية التي توحي زيفًا بثقافة عامة، ولكنها في حقيقتها تدل على جهل في فهم العالم. فهذا التعميم تجرأ على وضع ملايين البشر في جملة قصيرة المقطع لاتنفع حتى وإن احتوت شخصًا واحدًا ومثلها لمدة طويلة؛ فالإنسان الواحد قد يغير طبيعته من حال إلى حال وفق التعليم والخبرة اللذين يمرّ بهما في الحياة.
ومع أن التنميط خاطئ بشقيه السلبي والإيجابي لكونه يختزل الإنسان والشعوب والخبرات في شيء عارض ليس له تكرار مشابه، إلا أن النظرة الإيجابية تعني التعامل مع الواقع وليس مع الافتراضات المسبقة. فالتسامح مثلا، ليس نتيجة فكر نمطي، بل رؤية إيجابية تنطلق من الواقع المتغير، كما ينم التسامح عن ثقة واضحة بمعتقدات الشخص وأفكاره ولايرى أن هناك أي تهديد من الآخر، لذلك فهو لايتوانى عن مدحه ويبتعد عن قدحه حتى لو وجد فرصة لذلك.
التسامح الديني والتعايش الثقافي ضرورة في هذا القرن الذي لم تعد فيه الديار تحوي عرقًا أو دينًا واحدًا بل أصبح العالم الفسيح ربما تراه في مدينة واحدة. ولايمكن الانغلاق وقفل الباب على العالم والكف عن التعامل مع أجناس الناس المختلفة. وحينما يرى الإنسان أن الاختلاف قوة وليس ضعفًا، فهو بهذا يدعم جميع فئات مجتمعه والتي تتخذ هذا الدعم الاجتماعي سندًا لها لكي تقف في صف واحد مترابط.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.