كثيرون يأتون ويمضون ، يؤذّن في آذانهم صغارا ويصلى عليهم كبارا ، لا شيء سوى إحصاء لعدد كان ومحي .. ويرحمه الله حاضرا وميتا .. كثيرون أيضا أصحاب مشروع ، وكثيرون منهم منذورون لعمل الخير ، والإنسان هدفهم ، والإنسان مشروعهم .. كثيرات هن من يفهمن غزل الحياة ، ويغزلن مهما كان الصوف صعب الغزل ، وإذا كُسر مغزلهن صنعن من أي شيء يجدنه مغزلا .. الله سبحانه وتعالى يدفع أحيانا في طريقنا أناسا جميلين ، نجد لنا معهم وشائج عديدة ، تبعد أماكننا كثيرا وتقترب أحلامنا كثيرا ، يذهب الصوت بعيدا لأيام وأشهر ، لكن ما أن يدق ذلك النبض إلا ونجد روحنا تهفو لهم . هل كانت هذه المقدمة ضرورية لكي أقدم لكم إنسانة عرفت معنى الغزل ، في النور وفي الظلمة وفي السعة والضيق .. وعرفت كيف تصنع مشروع عمرها؟! نعم المقدمة ضرورية لأنها تنبئ بالنتائج . (سلوى بو نيان ) اسم من نور في سماء الإنسانية . عرفتها قبل ما يقارب الستة وعشرين عاما ، حيّية صغيرة مؤدبة ، تعرف كيف تدير مؤسسة ، وهي ليست مؤسسة خاصة أو بسيطة ، هي مؤسسة رعاية الفتيات .. تتبع للشؤون الاجتماعية ، هذه المؤسسة صفتها الحقيقية ( سجن للأحداث من الفتيات ) لكنها حقا لم تكن للفتيات حتى سن الثامنة عشرة ، كانت فيها سيدات بلغن الثلاثين ، وبعضهن تكرر دخولهن . ( سلوى) تلك الحيية الطيبة الإنسانة ، نجحت وفريقها في إحداث تغيير في أغلبهن ، ولم يعد لها الكثيرات ، لكن تستقبل حالات مختلفة كما اختلف المجتمع .. ماذا عملت (سلوى) حتى تستحق مقالا ، وربما أكثر مع إكليل ورد خزامى على رأسها.؟ يوم الأحد هذا الأسبوع كانت الصحف تتحدث عن مشروع سلوى وهو يرى النور ، وتتحدث عن العقد بين وزارة الشؤون الاجتماعية والتدريب المهني ، حيث تم تخريج دفعة من عشرين فتاة ممن كن ملتحقات بمؤسسة رعاية الفتيات ، وهن يرسمن خطواتهن على الطريق الجاد الحقيقي للرزق الحلال وتنمية الذات والقدرات ، للتحصين ضد المرض الاجتماعي ، وضد الفقر والعجز .. يصدن السمك بأيديهن ولا يدعن من يصيدهن كأسماك . تخرجن لكن دفعات جديدة تتدرب للتخرج مع نهاية تواجدهن بالمؤسسة . لتجد يدا لها تعمل ومشروعا صغيرا يتطور .. عندما تتحدث( سلوى) عن حلمها الذي لمسته كأنها طفلة مسكت القمر ، إذ كم يكون القمر جميلا وبعيدا وملهما هكذا كان حلم (سلوى بونيان ) .. عندما نتكلم عن الذكاء المهني لابد لنا من ربطه بالذكاء الاجتماعي ، الذكاء المهني هو أن يعرف من يعمل في المشاريع والمؤسسات الإنسانية كيف يستفيد من المحفزات في البيئة المحيطة به ، وكيف يجد له مدخلا مع كل العناصر ، من معاهد ومؤسسات مالية وتجارية ، وجمعيات خيرية أو ربحية .. هذا هو الذكاء الاجتماعي المهني .. وهو ربط علاقات مميزة مع مختلف فئات ومكونات المجتمع .. و(سلوى بونيان ) ذكية بما فيه الكفاية اجتماعيا ومهنيا .. عفواً أنا لم أقل الأستاذة سلوى ، ولم أقل خبيرة التنمية بالشؤون الاجتماعية .لأنها عندي سلوى الصديقة القريبة روحا وفكرا وعملا .. سلوى وغير سلوى الكثيرات يثبتن أن الشؤون الاجتماعية خلقت للنساء ..وإنهن بحاجة لفتح الأبواب أكثر للعطاء المثمر والمميز .. و .. حقا عندما تغزل المرأة تعرف كيف تعوض كسر مغزلها وكيف تنعم الصوف المعقد .. وتحية لكل سلواتنا الرائعات ..