حظيت الرحالة الانجليزية ( آن بلنت ) وفريقها طوال مسافة رحلتها على امتداد وادي السرحان الذي نسبته بعض المصادر إلى قبيلة السرحان العريقة بين منخفض حوض الأزرق الأردني حتى شمال منطقة الجوف على مدى 500 كم بكل مظاهر الحفاوة والترحيب كما حظيت بكرم الضيافة العربية في القرى والبوادي التي مرت بها وأشادت كثيراً بروح التعاون التي يتمتع بها هؤلاء ضمن كتابها رحلة إلى بلاد نجد لكنها عندما أرادت امتداح بعضهم امتدحتهم وفق معايير ثقافتهم الغربية وبطريقة أقرب إلى الطرافة في مفهومنا خصوصا مع أولئك الذين لم تتمكن من (معرفة أسمائهم كاملة ) مثلها مثل كل الرحالة الغربيين الذين يلجؤون غالبا إلى الوصف التشبيهي عند ما يلتبس عليهم الامر . إلى هنا تستمر بلنت بتدوين مشاهداتها عن قرية كاف واثرى ( اثره ) : توجد آبار عديدة هنا في ( كاف ) وهي عريضة وضحلة لان الماء على عمق 8 أقدام فقط من سطح الأرض ومن هذه تسقى بساتين النخيل وتوجد أيضاً آبار في الخارج وكلها تقع على نفس المستوى والماء صالح للشرب ، وغير ممتاز بأية حال . عبرنا بحيرة مالحة واسعة ، وهي الآن جافة ومنها يجمع الملح للقوافل. وفي طريقنا سلانا محمد بحكايات عن مولده واسلافة وقد سمع أهل ( كاف ) ب ( ابن عروج ) واخبروا محمداً أنه سيجد أقرباءه في أجزاء كثيرة من بلاد العرب علاوة على ( الجوف ) ويقولون إن هناك شخصاً ما في بريدة وأحد ( آل حميدي) الذي سمع عنه محمد كأحد أبناء عمومته ، وزوجة الشيخ هنا في ( اثرى) من عائلة الجوف وفي الواقع يبدو أن كل شيء يسير تماماً كما توقعنا . و( اثرى) هي أيضا قريبة من ( كاف ) إلا أنها تفخر بالبناية القديمة القلعة المصغرة في داخل الأسوار ، على طراز بيوت ( هارون الرشيد ) . وهذه مبنية بحجارة سوداء ، حسنة التربيع منتظمة الوضع ، بدلاً من الطين ،المادة العربية الشائعة في البناء . وعلى عتبة المدخل توجد ، أو بالأحرى كان يوجد كتابة بحروف قديمة ، ربما حميرية ، التي كنا سننقلها لو كانت واضحة ، ولكن الجو قد كاد يمحوها وهنا ها نحن قد استضافنا (جروان ) وهو شاب عديم الترتيب يعيش مع والدته مرزوقة ، والذي وجدناه مضيفاً لطيفاً يقظاً وأمه امرأة ذكية وكريمة الأصل وجاءت لتراني الآن بطبق كبير من التمر في يدها ، ووقفت لنتحدث، إن وجهها مازال جذاباً ، ولا بد أنها كانت جميلة إلى حد كبير وألاحظ أنها تلبس عددًا من الخواتم الفضية كخواتم الزواج . وتخبرنا ( مرزوقة ) أننا سنجد كثيراً من أقرباء ( ابن عروج ) في الجوف وهي نفسها غادرتها صغيرة وتتحدث عنها كفردوس أرض ، من حيث انتزعت لتعيش في هذه الواحة الصغيرة التعيسة وحقاً إن ( اثري ) مكان بائس كل شيء فيها ما عدى بستان جروان ، وبعد مشية في بستان النخيل . وقد منعني عرجي من الانضمام ، جلسنا جميعاً إلى عشاء طيب مكون من خروف وخبز ثريد وللخبز مذاق كالفطائر الممتازة قام بتقديمه لنا جروان بشخصه ، وهو واقف طبقاً للأسلوب العربي عندما يأكل الضيوف ، وتلاحظه أمه بعناية وتخبره بما يجب أن يفعل ، ولو أن لديه من الحس ما يجعله قليل الكلام ، ووصف ( ولفرد ) المشية في البستان بأنها ممتعة نوعاً ما فمحمد وعبد الله يلقيان خطباً طويلة ثناء على كل ما رأيا ، ويحكيان لرئيس رجال جروان قصصاً خارقة عن أبهة ( تدمر ) وثروتها. وبستان جروان ، الوحيد في أثرى ، يحتوي على 400 نخلة ، كثير منها مغروس حديثاً ويوجد فيه9ا شجرة يزيد عمرها عن 25 سنة وكان من بينها نخلة من صنف ( الحلوة) تمر الجوف الحلو ، استوردت من هناك واعتبرت هنا من النوع العظيم الندرة . وفي هذه النقطة كان هناك ترديد حار بالإعجاب ( كورس ) . وبان إعجاب شديد بشجرات الأثل أيضا . وهي تربى من اجل الأخشاب ، وتنبثق من الاورمة حيث تقلع ، وست سنوات من النمو يجعلها على ارتفاع عشرين قدماً .