تعبير غير دقيق؛ القول إن الإعلام تعبير وعْي ثم حرّية رأي؟.. لو وصلنا اجتماعياً إلى هذه المرحلة لما عانيْنا من مشاكلنا الاجتماعية القائمة وليست الإعلامية.. ما هي مستويات الوعْي العام الذي يُراد أن تمارس فيه حرّيات مطلقة؟ وما هي مستويات الاستيعاب التي توجّه لها أفكار أو انتقادات حادة؟.. في مجتمعاتنا متناقضات حادة واختلافات مفاهيم مزعجة.. فبدلاً من أن يكون الرأي وسيلة خلاف؛ لماذا لا يكون وسيلة ترويض وتقارب؟.. هذا لا يمنع وجود الرأي، لكن يتطلب توجّهه نحو تقارب مفاهيم.. ومَنْ يلاحظ مسار المجتمع سيجد أنه قد تحقّق تقارب أو ترويض ملحوظ في نسب الأبعاد بين حداثة الوعْي وركود فئات أخرى.. على سبيل المثال: الانغلاق الديني، لقد انحصر الآن في مجموع قليل وأخذت حداثة الرأي مكانها في التنوير بدليل جزالة كفاءة تنفيذ الدولة لتوجّهات التطوير.. واقع التعليم.. واقع تحديث مسؤوليات المرأة وعضويتها الاجتماعية.. لست أكتب هذا الكلام من برج ترف أو حصانة بُعد عن العقوبات، حيث تضررت من ذلك كثيراً، إذ لا أحد يوافق على أن أي رئيس تحرير مطلوب منه أن يقرأ ما يزيد على 48 صفحة يومياً، ومع ذلك فهذا الوضع عمل الدكتور عبدالعزيز خوجة على إيجاد موضوعية أفضل في التعامل مع الخطأ حسب نوعيته.. ورغم التقارير الدولية المتجنية من مراكز تقييم حرّيات الرأي، فإن المملكة لم يعرف فيها اختفاء كاتب أو رئيس تحرير بفعل حادث مرور، أو أن يتم تعيين المحرر ورئيسه وفق مواصفات مفروضة.. لقد تعرضت للإيقاف مرتين.. كان أطرفها المرة الأخيرة قبل ثلاثين عاماً تقريباً، عندما انتقدت اللغة الإعلامية الرسمية لوكالة الأنباء بالقول إنها «وزارة النفي ووكالة أشاد»، حيث يتكرر هذا التعبير الذي مثّل فرصة لتهميش جريدة «الرياض»، وأتى قرار ثالث منذ بضع سنوات يطلب من الصحف تحديد المساحة الإعلانية في العدد الواحد بحيث لا تزيد على 45٪ من مساحة العدد، ورفضت هذا القرار لأن الإعلان هو مصدر الصرف والتطوير، والعدد الذي يُباع بريالين يكلف ما لا يقل عن أربعة ريالات لتوزيع صحيفة تتجاوز الخمسين صفحة في الغالب، وكان المقصود ترحيل إعلان «الرياض» إلى غيرها.. لكن كل ذلك لم يحوّلني خصماً لأي أحد، وكنت أدرك أن قرار الإيقاف الأخير وبعده قرار تحديد مساحة الإعلان هما استهداف خاص ل«الرياض» وليس بفعل مواد نشْر تتعارض مع مصلحة المجتمع أو سياسات الدولة، وإنما هو توجّه استهداف خاص، ومع ذلك لم أتحوّل إلى كاتب غضب متواصل.. إن ترويض التناقضات يستلزم موضوعية تطوّر الوعْي وتفتّح مشاركات الرأي.. وأقدر لمعالي الدكتور عبدالعزيز خوجة أن عصره لم يلوّث بتلك العدوانيات..