حذرت السعودية من مخاطر استنساخ النموذج الغربي للتنمية، كونه يمثل شكلا جديدا من أشكال الاستعمار الذي عانته عدد من الدول العربية. وأكد الدكتور عبدالعزيز خوجة وزير الثقافة والإعلام خلال كلمته التي ألقاها أمام الدورة 11 للمؤتمر الدولي للأمن الثقافي العربي الذي بدأ أعماله في بيروت أمس، ولمدة يومين، أن المشكلة الحقيقية التي يواجهها الإعلام العربي حاليا هي أن الغث أكثر من السمين. وأضاف: “إذا ركزنا على أمننا الثقافي والخاص بنا، وعلى الوحدة الفكرية الثقافية التي تجمع العالم العربي كله فلا خوف من أي تهديدات أخرى، على ألا يكون لدينا إسراف خاص في داخلنا لثقافتنا ولإعلامنا”. وأعرب خوجة عن أسفه لخروج الكثير من الفضائيات العربية عن المفهوم الحقيقي للتنمية الثقافية الحقة، مبينا أنها اعتمدت على الكسب المادي بطريقة أو بأخرى لطرح الكثير من الأمور الترفيهية في الواقع، واعتمدت في بعضها على إثارة النعرات الطائفية والمذهبية والقبلية والجاهلية. وذكر أنّ دول العالم التي خرجت من نير الاستعمار عادت لترتمي بين أحضانه مرة أخرى عبر استنساخ النموذج الغربي للتنمية على اعتبار أنّه البلسم الشافي من ويلات التخلف. وأوضح أن كلمة تنمية راجت في العصر الحديث وخاصة في بلدان العالم الثالث، وأصبحت شغل الحكومات والمنظمات الدولية والصحافة والأفراد، وتحولت إلى أداة سحرية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية ومرحلة ما بعد الاستعمار. وقال خوجة إن المشكلة التي تنبه إليها الدارسون أخيرا هي أن تلك البلدان وقعت في فخ تصور سهل للتنمية، حين قيست بارتفاع متوسط دخل الفرد من جهة والتصنيع من جهة ثانية. وبين أنّ الثقافة تلتقي بالإعلام في أنها تقوم على نظام اتصال، والإعلام وسيلة ناقلة لمحتوى متغير وهي في شكلها العام لا تتضمن موقفا ما لأنها تتلون بحسب المضمون الذي تكون عليه. وأكد خوجة أن ارتباط الثقافة والإعلام أبدي غير قابل للانفصال؛ لأن وسائل الإعلام أشاعت حزمة من القيم التي طالما سعى الإنسان إلى اغتنامها واكتسابها، وأهمها ولادة الحريات العامة وأبرزها حرية الرأي وحرية التعبير والديمقراطية والفردية والتعددية ونشر الثقافة الجماهيرية والتعليم والمساهمة في حركات التحرير والمقاومة. وأشار إلى أن وسائل الإعلام نقلت الثقافة والتراث الثقافي في شكل كتاب مطبوع، وكانت الصحافة منتدى للأدباء والمثقفين والفلاسفة والمصلحين، وأضاف: “ليس ببعيد عنا ما حققته السينما في تاريخ الثقافة العربية من مكاسب ثقافية وفنية، أما الإذاعة والتلفزيون فأسهما في إشاعة الوعي الثقافي الراقي عن طريق البرامج الثقافية والأدبية وما أحدثته من تواصل بين الشعوب العربية”. وشدد خوجة على أن المطلوب من الإعلام بناء الذات الإنسانية على الكرامة والحرية، وتنمية الحس بالمسؤولية والمواطنة والمشاركة في اتخاذ القرار وبلورة النقد في وعيه ودمجه في الحياة العامة، وإشاعة قيم الحوار والتنوع والتعدد وإدراك طبيعة المجتمع الذي ينتسب إليه والثقافة التي يستمد قيمه منها.