توقع مراقبون سياسيون وخبراء أميركيون مختصون في شؤون الشرق الأوسط أن تسوء العلاقات الإسرائيلية - التركية أكثر في الأسابيع القليلة المقبلة، وصولا إلى حال قطع العلاقات الدبلوماسية، وذلك في أعقاب العدوان الإسرائيلي الهمجي على "قافلة الحرية" والذي أسفر عن استشهاد واصابة عشرات المتضامنين فجر الاثنين الماضي، غالبيتهم من الناشطين الأتراك. وكانت البحرية الإسرائيلية هاجمت القافلة المسالمة التي كانت تضم ست سفن وأكثر من 700 ناشط دولي على متنها وهي في عرض البحر الأبيض المتوسط وقبل أن تدخل المياه الإقليمية لأي دولة. وكانت تلك الس فن محملة بمواد الإغاثة الإنسانية التي كان الناشطون الدوليون، ومن بينهم عرب وأوروبيون ومسلمون وغيرهم، يقصدون إيصالها إلى قطاع غزة المحاصر منذ أربع سنوات وكسر الحصار المفروض عليه. وكانت تركيا، وهي الدولة المسلمة الوحيدة العضو في حلف الناتو، تحتفظ بعلاقات هي الأقوى بين دولة إسلامية والكيان الاسرائيلي، إذ يبلغ حجم التجارة الإسرائيلية معها أكثر من 3 مليارات دولارات سنويا. كما أن القوات العسكرية بين الجانبين تحتفظ بعلاقات هي الأقوى في المنطقة. ولكن العلاقات الثنائية بدأت في التدهور خلال العدوان الإسرائيلي على غزة في نهاية العام 2008، وبلغ ذلك التدهور أوجه حين تلاسن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان مع رئيس الكيان الإسرائيلي شمعون بيريز في جلسة المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس العام الماضي، وهي الملاسنة التي انتهت بوقف أردوغان مشاركته في جلسة المنتدى ومغادرته دافوس عائدا إلى بلاده حيث استقبل بترحيب حار من الأتراك. ورغم أن الرد التركي على الجريمة الإسرائيلية لم يكتمل بعد، فقد ردت تركيا بقوة على الاعتداء ضد قافلة الحرية التي كانت انطلقت من تركيا وكانت السفينة "مرمرة" التركية هي التي تحمل أكبر عدد من الناشطين المرافقن للقافلة. فقد استدعت أنقرة سفيرها من (إسرائيل) واستدعت وزارة خارجيتها السفير الإسرائيلي في أنقرة إلى مقر وزارة الخارجية لتبلغه احتجاجها القوي على التصرف الإسرائيلي الاجرامي، كما ألغت ثلاث مناورات حربية كانت مقررة في الفترة القريبة المقبلة بين (إسرائيل) وتركيا. وكانت هذه الخطوات، رغم أنها أولية ويهدد رئيس الوزراء التركي باتخاذ خطوات إضافية، كافية لإثارة قلق المحللين الأميركيين الذين يقولون إنها "يمكن أن تضع العلاقات الدبلوماسية المتوترة أصلا بين (إسرائيل) وتركيا في خطر حقيقي." وقال أحد المحللين السياسيين المختصين في العلاقات التركية الإسرائيلية في معهد كارنيغي للسلام الأميركي إن ما قامت به إسرائيل "يمكن أن يفسر على أنه إعلان حرب من جانب إسرائيل على تركيا. أول ما أتوقعه هو أن الحوار السياسي سيتوقف بين الجانبين وسيكون من الصعب احتواء التدهور في العلاقات الآن." ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز " عن مسؤول تركي رفيع المستوى قوله "إن من الممكن أن تقطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب"، ولكنه أشار إلى أن ذلك سيعتمد على الخطوات التالية من الجانب الإسرائيلي. وقال المسؤول إن تركيا تتوقع إطلاق سراح الناشطين الأتراك فورا وإصدار اعتذار قوي عما حدث. ولكن أيا من ذلك لم يحدث حتى ليل الاثنين، بل إن تقارير أشارت إلى أن (إسرائيل) أقدمت على اعتقال بعض الناشطين الأجانب الذين رفضوا التوقيع على وثيقة يتعهدون فيها بعدم العودة إلى المشاركة في أعمال تضامن أخرى مع الفلسطينين كهذه. ونقلت التايمز عن مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى القول إن الدولة العبرية حاولت على مدى أسبوعين ثني تركيا عن السماح بتوجه قافلة الحرية من موانئها، ولكن الحكومة التركية كررت موقفها لإسرائيل بأن هذه هي منظمات غير حكومية والحكومة التركية لا تملك القوة لثنيها عن عملها. ولكن المحللين الأميركيين يقولون إن "الكرت الفرار" في هذه اللعبة هو أردوغان نفسه، الذي برأي الإسرائيليين وبعض الأميركيين، دفع باتجاه سياسية خارجية تركية تقوم على لعب بلاده دورا أكثر مركزية في شؤون المنطقة. فهو لعب دور الوسيط بين إسرائيل وسورية في محادثات سلام غير مباشرة قبل أكثر من سنة، كما أنه وثق علاقات بلاده بمحيطها العربي والإسلامي. ولاحظ المحللون اللغة التي استعملها أردوغان في مؤتمره الصحفي الذي بثته وسائل الإعلام التركية له من ساندييغو بتشيلي، حيث وصف العمل الإسرائيلي بأنه "إرهاب دولة غير إنساني." كما وصف ادعاء إسرائيل بأن قواتها واجهت مقاومة مسلحة على السفن بأنه "محض أكاذيب." وقال أردوغان إن هذا "الهجوم يظهر أن إسرائيل لا تريد السلام في المنطقة."