لعل النضج المهني هو من أميز ما يحسب لجريدة "الرياض" في خطواتها التطويرية في عالم التقنية من خلال التحول الممنهج نحو التوظيف الرشيد لخدمات الانترنت والهاتف الجوال والأرشفة الالكترونية لضمان تقديم الخبر والمعلومة على مدار الساعة بل والدقيقة أحيانا. وحيث عاصرت شخصيا معظم نقلات الجريدة في هذا المجال منذ بداياتها الأولى أواخر التسعينيات كباحث وكاتب ومشارك بالرأي يمكنني القول إن مما وفقت فيه إدارة التحرير هنا أنها نجحت في تجنب المجازفة واستباق الواقع المهني مفضلة أن تسير في خطوط متوازية مع نمو وعي مستخدمي التقنية وانتشارها في المجتمع وحين باتت معظم ركائز الإعلام الجديد واضحة المعالم كان قرار التغيير في هيكلة الجريدة بإضافة إدارة الإعلام الالكتروني توجها عصريا في مكانه وزمانه الصحيح ولازلنا ننتظر المزيد. على ذات المسار شهدنا أيضا صحفا محلية أخرى تحاول استيعاب المتغيرات متفاوتة حظوظها في هذا المجال بين توجه رشيد وآخر مجازف حد القفز على واقع الإعلام والمجتمع دون تطوير حقيقي في المحتوى شكلا ومضمونا. ولا يفوت أن نشير هنا إلى أن هناك نماذج محزنة للتوظيف الباهت للتقنية كما هو حال صحيفة محلية تضرب في عمق (تاريخنا) الصحفي التي اكتفت في عصر المعلومات (اليوم) بوضع عنوان بريد "هوتميل" المجاني تحت ترويستها في الصفحة الأولى في دلالة واضحة على فقر الإمكانيات والرؤية. في الجانب الايجابي ومما يمكن توقعه جراء التوجه الإداري والرأسمالي المخطط من قبل بعض الصحف المطبوعة نحو استثمار التقنية ومرونة وحرية المحتوى وتفعيل التطبيقات التفاعلية هو إحياء الأمل في إعطاء النشاط الإعلامي الالكتروني بعدا مهنيا وأخلاقيا في ظل طوفان الاجتهادات الفردية لمواقع الكترونية ظن بعض من يديرونها أنهم بذلك يؤسسون لصحافة الكترونية متينة البنيان. يوجد اليوم خارج مواقع المؤسسات الإعلامية المعروفة على شبكة الانترنت ما بين 102 إلى 111 موقعا الكترونيا تحت مسمى صحيفة الكترونية سعودية ولكن بكل أسى ومن واقع اعتبارات المهنة وأسس الصحافة وتقاليدها يمكن القول -بعد استثناء حالة أو حالتين بتحفظ- انه لا يوجد على الفضاء الالكتروني السعودي صحيفة الكترونية واحدة تستحق مسمى الإعلام الالكتروني. ومن أسباب ذلك أن معظم المواقع الإخبارية الفردية تسير إما مع هوى وغيار الشارع أو مطية عمياء لبعض التيارات الفكرية و قد تجد بينها من تعتاش على فتات الرعايات والدعم الذي يأباه شرف المهنة خاصة أولئك المسجلين على بند مصروفات " دعم الأخبار الايجابية" لهذه الشركة أو تلك الذات المتضخمة. ولو جمعت نفرا من محرري بعض هذه المواقع الإخبارية لتعجبت من تدني المستوى المهني وعدم الوعي بالوظائف الحقيقية للإعلام وما تفرضه المهنة الإعلامية من أخلاقيات ومبادئ. مسارات قال ومضى: الضمائر الأمينة ... وحدها الثمينة.