وفي نص لماجد الثبيتي ضمن مجموعته ( الفهرست وقصص أخرى ) ، المكتوبة مابين عامي 2004م ،2007م ، تظهر إذابة لحظة التفكير ، والتأمل حالة رأس مقطوع في المسرود أمامك ، مع الحال الطبيعي للرأس حين يقطع ، وتفصد شرايينه ؛ فيستحضر المشهد أمامك ملغيا الفصل بين لحظة ولحظة ، فامتزج التخيل الواعي مع لحظة التماهي ؛ فإذا بك أمام لحظة لا فصل فيها بين حقيقة وخيال ، أمامك الدم من رأس مقطوع ، وليس أمامك إلا السرد ينز دما ، في ورقة قوامها الكلمات وحركة السرد ؛ من سارد غريب يتحدث عن رأسه المقطوع ، يقول في بدء النص : " رأسي المقطوع بعناية شديدة ، بدقة حرفية متناهية عالية .." فنجد أنفسنا أمام حالة غريبة بيننا ، في الوقت الذي تنمو فيه لحظة المقارنة ، التي يشجع عليها عدم حديث لغة النص عن حالة يمكن أن تكون حلما ،أو أن يكون الرأس مقطوعا على شكل صورة معلقة كتحفة ، مما يجعل المشهد المتأمل ومقارنته بما يكون طبيعيا عن ذلك المشهد في حال امتزاج كما هو كذلك مع تصوراتنا ، وحلمنا ؛ فقد ذاب المشهد الذي يمكن الحديث فيه عن رأس مقطوع ، في مشهد السرد ؛ فأخذ الحديث يتجه إلى حال الغرابة في رأس مقطوع يتحدث عنه متأمل بهذه الطريقة ؛ فيتحدث عن كامل أعضاء الرأس ، وكامل حيويتها ، وجمالها ، وحتى ما تخلو منه الأعضاء من عوارض الحياة جاء بشكل محمود عند السارد : " لا شيء على غير طبيعته الأولى .. الفم خصوصا بشفتين ممتلئتين قليلا ، وأسنان كأنها للتو غمرت " بمعجون حار من النعناع " ثم يقول " الرأس المقطوع بعناية حقيقية ، ودقة متناهية جميل جدا ، ومكتمل تماما . . .خاليا من الدموع والمخاط والدماء واللعاب ... " تحرك النص بفعل إذابة اللحظة في صياغة مشهد تحفزه الغرابة ، وتثير متابعة المتلقي ليخلق لحظة أخرى مع لحظة السرد ... لتستثمر طاقته بعد ذلك في متابعة سر هذا الاختيار بالحديث عن رأس مقطوع ،غامضة طريقة قطعه على الرغم من الحرفية والعناية بالقطع التي ذكرها النص ، ليظهر رغم ذلك مجمدا من فاعلية الحياة ؛ ليتشكل النص التأويلي الذي ينشأ مرة أخرى في عقل المتلقي . وفي نص بعنوان ( خرز ) ،نجده يقول في بدء النص : " من يقدر أن يفقأ العين اللدنة بالمخرز ، أن يحرك رأس المخرز " من يقدر أن يفقأ العين اللدنة بالمخرز ، أن يحرك رأس المخرز في كل الماء ، يقدر أن يعبر هذا السطر حتى النهاية .. " هنا نجد اللغة تذيب اللحظة ما بين حال خوف وهلع تصنعه الكتابة ، وما بين القراءة ؛ فأصبح السطر من عالم ذلك الخوف ، وأضحى عبور عالم الخوف عبورا بالقراءة لهذه الكتابة ... لتكون نهاية الكتابة هكذا : " من لا يقدر أن يحتقن بقليل من الدماء ، لا يمكنه العودة الآن ، فقط يمكنه أن يقرب عينه اللدنة من هذا السطر " فقد أصبحت إذابة اللحظة بين هذين العالمين، مشكلة لعالم رعب يتأول ويبنى حين قراءة النص ؛ فأصبح القارئ في عالم الرعب والخوف وهو يتابع الكلمات . وفي نص لخالد اليوسف بعنوان ( لظى ) ، نجد السارد يشتغل على خلق لحظة أخرى تتماهى مع السرد ، حين ينقلب السرد بقلب التوقع في آخر النص ؛ حيث إن هذا النص يحكي حال تعلق بجهاز الكمبيوتر، وعزيمة من صديق لكي يتعلم البطل معايشة هذا الجهاز ؛فاستثمر السرد العالم الافتراضي ، الذي تقيمه الشبكة العنكبوتية ، ليقيمه في تأمل صاحبه وأشواقه ، وتوقعاته حركة لعلاقة يتفاعل معها ويتعامل ؛ فيبزغ في الأفق فتاة تراسله غزلا وتتدرج في إرسال الصور لترسل له في آخر المطاف صورة عارية فينشأ الاضطراب والارتباك لديه؛ ليكتشف أخيرا أنها حيلة من صديقه لكي يصبر على الجهاز ويشغف به ، فالسرد هنا استثمر حال التشوق والقلق لتكون الكتابة والقراءة حاملة له ، لتتشكل بعد ذلك أبعاد مختلفة من جريان السرد على هذا النحو، نابعة من التماهي بين عالمين ؛ عالم متن يبحث عنه في جسد حي يتشوق إليه ، وعالم هامش بالنسبة لذاك المتن ، ليس إلا مجرد وسيلة اتصال مأمونة من المراقبة ، ومتابعة الفضوليين ؛ فإذا بذلك المتن يؤول إلى هامش ، ليتقن التعامل مع هذه الشبكة التي آلت إلى متن إليه القصد والهدف . وفي نص لعدي الحربش بعنوان ( مقلع طمية )، نرى اعتماد النص على تذويب لحظة العالم الواقعي الذي يروم الكشف عن بقايا تحدد أمرا ما تجاه أسطورة تحملها ذاكرة هذا المكان مع لحظة حال قلق وفزع شكله السارد بتوهم رجل عالق بين الصخور ، لم تظهر منه إلا عينه البغيضة المزعجة من بين الصخور ، وتنتهي المغامرة بأن يسد هذا العالق من السماء آخر بصيص من النور على السارد ، وكأن هذه اللحظة معادل موضوعي للحظة التنقيب عن وهم ، ليكون المتوهم قابضا وقاضيا على آخر بصيص من النور ، حين يدلفنا الوهم للاشتغال به ، ولا ننسى هنا تذويب لحظة أخرى مع عالم السرد هي التأويل الذي يقود إليه النص ويشعله .