خمسون عاماً مرت على تعليم المرأة، وتكاليف باهظة صرفت على التعليم وهو أمر حيوي وحق طبيعي إذا ما علمنا أن الأمية تبقى عائقاً تنموياً، وجهلاً بطبيعة الحياة، غير أن هذه السنوات لم تُضف للمرأة شيئاً جديداً بحيث تساهم في مجالات التنمية ، وتستوعبها وظائف المؤسسات الأهلية والحكومية ونراها في طليعة الباحثات في المعمل والمراكز الثقافية، إلا أن الحقيقة عاكست هذا المطلب الوطني والإنساني، عندما أصبحت أكثر تخلفاً في ثقافتها وسلوكها، تعيش رعب العزلة والبطالة ولا تتطلع لأكثر من وظيفة مدرسة في إحدى المدارس الحكومية براتب مقبول.. البطالة بين النساء كبيرة حتى إن الحاصلات على شهادات عليا في الماجستير والدكتوراه والهندسة والحاسب الآلي، والطب لازلن خارج الخدمة، والإعاقة هنا جاءت من تحويل المرأة إلى رمز يحمل كل العيوب والآثام، بينما الحكم الذي ينطلق من الرجل ، وليس من الدين الحنيف، ورثناه من التقاليد، بل إن المرأة المتعلمة تملك حصانتها من وعيها وثقافتها، والمأساة أن أمهاتنا وجداتنا الأميات كنّ أكثر تحرراً في العمل والممارسات الإنسانية والعفة لأن الأصل في أحكام الناس وتقاليدهم هو البراءة ، وليس الشك، والمشكل أن تراكم هذه الأعداد خارج الخدمة من الشابات وخلف الأبواب قد يتسبب في حالات خطيرة أخلاقية ونفسية لأن الأسر تعيش رعب العنوسة والبطالة وتكاليف نمو الأسرة غير المنتجة، وبالتالي إذا كان نصف قرن من بداية التعليم عجز عن معالجة الأسباب ولم يصل إلى نتائج تغيّر الوجه الآخر للسلبية، وكيف أننا خسرنا قطاعاً بشرياً كبيراً علّمناه بمصاريف باهظة وتركناه يعيش حالة الفراغ، فإن الأزمات المتلاحقة سوف تظهر على المجتمع بما هو أخطر، وربما بتكاليف تزيد على ما صرفناه من وقت وجهد وأموال.. التعليم الذي يخلف الانغلاق ، ويخلق السواتر بين المرأة والعمل وبمبررات لا تخدم مصلحتنا الوطنية ولا أمننا، سيجعلنا في مواجهة صعبة ما لم نتدارك الواقع ونتجاوزه بحلول عاجلة إذ إن ما تضخه الجامعات والمعاهد من الآلاف كل عام لتذهب النسبة العليا منه إلى عالم التيه في البحث عن وظيفة هو مسألة لا تخص جهة بعينها إذا ما عرفنا أن الوظائف موجودة ولكن ينقصها القرار الحازم الذي يجعل حق المرأة المتعلمة أمراً تفرضه حاجاتنا المستمرة ، خاصة بوجود سبعة ملايين يحملون اختصاصات يمكن تعويضها بخريجاتنا وشبابنا العاطل عن العمل.. هناك خلطٌ بين الحلال والحرام، وما هو ممنوع ومباح، وعندما نضع المرأة بين هذه الأقواس ونجعلها رهن واقع فُرض عليها، فإن الدولة ومؤسساتها وقراراتها ونفوذها، هي من يجب أن يدرك عمق المشكلة وتداعياتها على مستقبل مجتمعنا والذي نسعى جميعاً لإخراجه من أقبية الجهل والاتكالية، إلى العلم والتطور وفرص العمل، وعندما نتجاهل عمق الأزمة فإن رهاننا قد يكون صعباً إذا ما تراكمت المشكلات وتعقدت الحلول، خاصة وأن الإحصاءات التقريبية تجعل أعداد النساء تتقارب مع أعداد الرجال أو تزيد عليها..