أثارت قضية ارتفاع مواد البناء التي بدورها عطلت عجلة التشييد لدى السواد الأعظم ممن يتابعون تنفيذ مساكنهم أثارت سؤالاً هاماً وهو الى متى وجل مكونات مساكننا مستوردة، وباهضة الثمن،مثل حديد التسليح الذي شهدت أسعاره ارتفاعاً جنونياً، وقبله كانت هناك أزمة إسمنت،ولماذا لاتسخر الأبحاث العلمية لإيجاد بدائل محلية وميسرة ورخيصة الأثمان، لتحقق المسكن الميسر هذه القضية طرحناها على المستشار الدكتور مهندس خالد بن عبدالعزيز الطياش وجاءت إجابته في الأسطر التالية: المنزل وأزمة الحديد أزمة الحديد التي حدثت قبل فترة ومازالت تلقي بظلالها على قطاع التشييد والبناء تثير الاهتمام نحو التفكير بمكونات مواد البناء في مبانينا وخاصة بناء الوحدات السكنيه والتي تهم الشريحه الاكبر من المجتمع فمن الملاحظ ان هناك ارتفاعاً مستمراً لتكلفة بناء المساكن يوما عن يوم وهذا مؤشر سلبي ينبئ بحدوث ازمة سكن في المستقبل القريب فمقارنة بمتوسط الدخل المالي السنوي للفرد والذي يسيرعلى شبه ثبات منذ سنوات نتيجة متغيرات الاقتصاد على المستوى المحلي والعالمي يقابله ارتفاع مستمر في تكلفة مواد البناء وبنسب غير متوازنه إضافة الى ارتفاع معدلات النمو السكاني لسكان المملكة وخصوصا فئة الشباب وباستمرار هذه المعادلة فسوف يأتي يوم لا يستطيع فيه الفرد المتوسط او فوق المتوسط الدخل ان يبني مسكنا لائقا خصوصا وان نسبة كبيرة من مكونات مواد البناء للبيت السعودي مستوردة بالكامل او ان موادها الاولية ذات منشأ خارجي مستورد وهنا تكمن صعوبة المشكلة ووسائل حلها في ظل تلك المعادلة الصعبة بين ميزانية دخل الفرد وارتفاع تكلفة بناء المنزل لابد من البحث وعلى كل المستويات المعنية وذات العلاقة بالسكن والاسكان عن الوسائل والطرق الممكن ان تحقق مبدأ اساسياً وهو ان الهدف ليس كيفية بناء مئات المساكن ولكن الهدف هو كيف نبني مسكناً يفي بكل المتطلبات وبارخص الاسعار وبمواد بناء محليه او ان مكوناتها الاساسية محلية المصدر وهذا الهدف ان تحقق فسوف يضع البيت السعودي في وضع الاستمرارية لاجيال قادمة او اننا سوف ندخل ضمن قائمة البحث عن بدائل ارخص سعرا واقل مساحة هناك مبالغات كبيرة ومكلفة يتخذها البعض عند تصميم ومن ثم بناء منازلهم فتكون تكلفة البناء في تزايد مستمر ككرة الثلج تكبر كلما تقدمت الى الامام وقد يفاجأ بها صاحب المشروع عند منتصف العمل فيتوقف عندما تتعدى ميزانية تنفيذ المبنى ما وفر لها من مال او في نهاية تنفيذه لمسكنه وتراكم الديون عليه ، فغالبية المقدمين على بناء مساكن يجهلون المبلغ التقريبي لتكلفة البناء قبل ان يقدموا على البدء في التنفيذ ومع ذلك يقدمون على تنفيذ بناء منازلهم بانفسهم فيقعون باخطاء متعددة وباضرار وخسائر كبيرة ، فمن الطبيعي ان لا يكون للانسان العادي ذنب كونه لايملك الدراية الكاملة باسعار مواد البناء ولا الخبرة اللازمة لتقنية وتصميم المباني وطريقة البناء لكنه يقدم بنفسه على هذا المعترك بهدف توفير اتعاب مكتب هندسي مرموق يقوم بتصميم منزله وشركة مقاولات ذات كفاءه تنفذ بناء منزله ومكتب للاشراف على البناء ، ان المبلغ المالي الذي يسعى لتوفيره من جراء قيامه بتلك الاعمال منفردا لايوازي ابداً الخسائر والتجاوزات التي سوف تواجهه ويدفع ثمنها لاحقا ، فتراه في بداية العمل يطلب باستمرار مالا يحتاجه سواء في مكونات المنزل التصميمية او في اختيار مواد البناء ذات التكلفة العالية اضافة الى استمرارية التوسع في المساحات وهو لايعلم ان كل متر مربع يزيده عن حاجته سوف يكلفه قيمة الارض وقيمة البناء وقيمة الاثاث وقيمة التشغيل مستقبلا لكن كل ذلك يغيب عن ذهنه في لحظة نشوة البناء في البدايه وتوفر المال مؤقتا في جيبه لكن يظهر ذلك جليا وواضحا عندما يفاجأ بحجم التكاليف المنزل السعودي بوضعه الحالي مكلف قياسا بدخل الفرد المالي وشركات المقاولات وتجار مواد البناء دائمو التعطش لادنى الاحداث لكي يضعونها مبررات وحججاً لرفع الاسعار وتخزين المواد واخراجها للسوق وللمستهلك بالقطارة وقد لاحظنا ذلك عندما شحت كميات الحديد بالسوق وارتفع سعره وتبعته بلا مبرر كل بنود مواد البناء وكذلك العمالة وكأن المجموعة مربوطة معا ، هذا حدث عندما ارتفع بند واحد من بنود مواد بناء المنزل وانعكس على كل متعلقات عملية البناء من مواد وعمالة فكيف يكون الحال لو كان الارتفاع في بنود عدة ، نحن نحتاج الى دراسات ترشيدية وتوعوية عند تصميم ومن ثم بناء بيوتنا ،فالفرد منا دائما يسعى الى المبالغة في المساحات فنبني غرفاً لاتستخدم الا اياما معدودة بالسنة ونفرض مساحات لبعض مكونات البيت لانحتاج فعليا الا الى ربعها والحال ينطبق على جميع عناصر مواد البناء فصاحب المنزل دائم المطالبة بزيادة الحديد لاجل القوة وهو لايعلم انه في بعض الاحيان زيادة الحديد تضر اكثر مما تنفع وقياسا على ذلك تراه يطالب بزيادة نقاط الكهرباء والخدمات الاخرى دون مبرر وكل ذلك يجعل من تكلفة بناء المنزل حملا ثقيلا على ساكنيه سؤال يتبادر الى الذهن دائما وبالحاح كيف يكون وضع منازلنا عندما يضعف الاقتصاد او ينضب النفط وهذان عاملان ليس من المستحيل او من المستبعد حدوثهما فجميع دول العالم مرت بمراحل من الركود الاقتصادي استمرت لسنوات طويلة والنفط مادة تخرج من باطن الارض لها حدود وكميات معينة بعدها تنضب وهذا حال كل مادة تحكمها الطبيعة وبالتالي ينخفض الدخل المالي للفرد ، اذا لو حدث ذلك كيف نبني بيوتنا وكيف نشغلها ؟ منازلنا الراهنة تكلف الكثير من الجهد والمال ابتداء من تكلفة الأرض والبناء والأثاث ثم التشغيل ومع ازدياد أسعار الأراضي وارتفاع أسعار مواد البناء والأيدي العاملة بشكل مستمر فسيكون من الصعب مستقبلاً على شريحة كبيرة من مجتمع جله من فئة الشباب الراغب في تكوين اسر صغيرة تملّك منزل لائق حتى لو اخذنا في الاعتبار الأراضي الممنوحة من الدولة وقروض صندوق التنمية العقارية رغم بُعد أراضي المنح عن مراكز الخدمات الرئيسية وتأخر قروض الصندوق لمدة زمنية طويلة ، فالسؤال الذي يتبادر إلى ذهن كل معماري ومهتم بمستقبل العمران والعمارة في بلادنا هو هل نموذج المسكن الحالي والذي يسكنه معظم سكان المملكة هو الحل الأمثل والأفضل والنهائي وفي كل الظروف ؟ الجواب في نظري كمعماري حتماً لا ، ان منازلنا الحالية تتناسب طردياً مع ما نملكه من إمكانيات مادية ومع ذلك فالعديد من أفراد المجتمع لا يستطيعون امتلاك سكن لائق ، أنا لا أنظر إلى المستقبل بنظرة متشائمة ولكن ربط المسكن بشكله الحالي المتضخم وبتكلفته الباهظة بالوضع الاقتصادي واعتماد دخلنا الأساسي على مادة طبيعية قابلة للنضوب أو لاحلال بديل عنها في عالم الطاقة يجعلنا في قلق تجاه مستقبل المنزل السعودي فهناك مؤثرات كثيرة تؤثر على تكوينه وبالتالي تكلفته وهي الترمومترالمادي والمعنوي لقيمة المسكن ولابد من بحثها ودراستها للخروج بمعايير محدودة تكون بمثابة مفاتيح أي حل يقترح للوصول إلى الاطار العام والشامل لمسكن لائق مناسب لمعظم الظروف وللوصول إلى ذلك لابد من تكاتف جهود كثيرة تساهم فيها جهات ذات علاقة مباشرة بهذا الموضوع فلدينا العديد من كليات العمارة والتخطيط ضمن جامعات المملكة ومراكز أبحاث مواد البناء ولديها القدرة على البحث والدراسة وتوجيه منسوبيها لبحث ودراسة تلك المجالات إلاّ انه من الملاحظ ان معظم تلك الجهود تكون فردية بشكل بحث أو دراسة شخصية لذا فهي بحاجة إلى مظلة علميه وإدارية تنضم تحت لوائها كل تلك الأبحاث والدراسات ، اذا هناك مؤثرات مستقبلية كثيرة تواجه حركة العمارة والعمران في المملكة يحتاج إلى حلها إنشاء مركز متخصص لأبحاث العمران والعمارة يعتمد في منهجه على إجراء الدراسات والبحوث والتجارب العلمية والعملية لكل ما يخص عملية البناء والتشييد ومواد البناء وعلاقة المناخ والبيئة والطبيعة بالعمران تحت مظلة علمية وإدارية متخصصة .