لا أحد يشبه أحدًا .. فكل جمال ، ليس له مثال (ولا في الخيال) .. أمّا قول بعض الشعراء ( زيّ الغزال ) والحمام واليمام ، فيظل تشبيها قاصرًا في وصف الجمال الإنساني .. فلا عيون المها ولا عيون النرجس ، الساهرة التي لا تنعس ، يمكن أن تضاهي بجمالها عيون البشر .. ولا أغصان الأراك والبان والسيسبان تشبه قد أو قوام الإنسان .! يتنوّع الجمال ويتعدّد ، لكنه لا يتوحّد .. ومهما دنت الصورة من الأصل ، وحملت ملمحا أو التفاتة أو ومضة ، فإننا ننجذب إلى الكيان الذي يستعصي علينا حلوله في كائن آخر .. والعين تشهد والقلب يبصم ويختم : حبّكِ ينمو وحدهُ كما الحقول ُتزهر كما على السفوح ينمو اللوزُ والصنوبر كما بقلبِ الخوخ يجري السكّر .! وكما ضرب عشاق الأمس بطون مطاياهم ، وركبوا البحر ، يركب محب اليوم الهواء لهواه .. تسبقه أحلامه ، مخترقة جدار الصوت والضوء إلى حيث تهيم الأرواح بلا جناح .! ولو امتزجت الأبدان لما كان هناك ما يبعث على الشوق واللهفة والتعلّق .. وتظل غلالة الخفاء الشفيف أمرا مشوقا لدوام اللهفة .. ويتجلّى ذلك في الرمز الذي تتعدد معه الرؤى من وجوه عدة ، تتنوع معها الصور والألوان والأطياف .. وذلك ضرب من أفانين (أطباق) العشرة .. تتجاوز في بهائها (وأبّهتها) الخمس نجوم إلى مضاعفاتها : حُبكِ كالهواء يا حبيبتي ُيحيط بي من حيث لا أدري به أو أشعُر .! ولا يقبل المحبون شبيها للمحبوب ، وإن قاربوا الصورة من الأصل (تعللا) فحينها تكون ( كل التفاصيل وهم ) .! ويجيء الحب في أشكال وأحوال ، على رأي الشعراء .. ومنهم (نزار قباني) الذي يقول مرّة : ( حبك طيرٌ أخضر ) .. ومرة يقول : ( حبكِ طفلٌ أشقر ) .. ويتصور حبه شالا بحجم الأرض .. أو طوفانا يغرق كل شيء : لو كان حبّي شجرًا .. لكنت يا حبيبتي غطيت وجه الأرض بالأشجار.. لو كان حُبي مطرًا أغرقتُ هذا الكون بالأمطار .! وقد يجيء هذا الحب زهرة أو خنجرا .. أو شمعة أو عاصفة عاتية تدمّر .. وهو بكل مناخاته وطقوسه ، يظل باسطا نفوذه صفوًا وصحوًا .. أو برداً ومطرًا ، يفعل ما يشاء على هواه : يكسرُ في طريقهِ ما يكسِر يزورُني حينَ السماءُ تمطِر ُحبكِ طفلٌ متعبٌ ينامُ كلّ الناس يا حبيبتي ، ويسهر طفلٌ على دموعهِ لا أقدر .! والخصوبة تجعل الأرض مخضرّة ، مزهرة غضة نضرة .. وهي منبع كل آيات الجمال .. تصوروا هذه الدنيا بدونها .. تصوروا شكل هذه الأرض .. وتصوروا حال الآدميين من بعده ، إن كان لهم أن يكونوا أصلا . وإذا استحال أن تمتزج الأجساد ، فالأرواح تأتلف .. وتتحد .. وتندمج .. وتشع .. وتفعل العاطفة فينا فعلها .. تبث الحماس ، وتضعنا أمام خيارنا الأوحد ، مهما بعدت الشقة وشق البعاد .!