ناقشنا باختصار في العيادة الماضية سمنة البطن وقد استرعى الموضوع اهتمام الكثير من قراء الرياض وظهرت الكثير من الأسئلة القيمة التي لم نستطع التطرق لها في المقال السابق بسبب ضيق المساحة المحددة للزواية في أعلى الصفحة. لذلك قررنا أن نناقش هذه المشكلة الطبية الشائعة والخطيرة بشيء من الإسهاب لعلنا نجيب على أسئلة القراء التي ذكروها في تعليقاتهم في العيادة السابقة. أنواع السمنة: السمنة عبارة عن تجمع الخلايا الدهنية في أجزاء من الجسم. فالخلايا الدهنية قد تتجمع تحت الجلد أو في أجزاء من العضلات أو داخل الغشاء البريتوني داخل البطن وحول الأحشاء ويعرف هذا النوع من الدهون بالدهن الحشوي لأنه يجتمع حول الأحشاء وهذا النوع من الدهون يختلف عن باقي الدهون في الجسم لأنه "نشط أيضيا" حيث إنه قد يفرز أو يؤثر على وظائف الهرمونات كما سنناقش لاحقا. علاقة قوية بين سمنة البطن والكثير من الأمراض الخطيرة تعريف سمنة البطن: سمنة البطن مشكلة شائعة جدا وقد ازدادت في السنوات الأخيرة مع تغير نمط الحياة الحركي والغذائي. والمشكلة أكثر شيوعا عند الرجال منها عند النساء ولعل ذلك يعود لتأثيرات الهرمونات الجنسية حيث إن هرمونات الذكورة تزيد السمنة في الخاصرة (وسط الجسم)، في حين تزيد الهرمونات الأنثوية السمنة في الأرداف والفخذين. ويتم تعريف سمنة البطن بأنها زيادة محيط الخصر عن 102 سم (40 بوصة) عند الرجال وأكثر من 88 سم (35 بوصة) عند السيدات أو زيادة نسبة محيط الحوض (الورك) إلى محيط الخصر (أكبر منطقة في البطن) عن 0.9 للرجال و 0.85 للسيدات. وفي العادة تقاس السمنة بمقياس يعرف بمؤشر كتلة الجسم (BMI) وهو مقياس يأخذ في الاعتبار الطول والوزن حسب المعادلة (الطول بالمتر تقسيم الوزن تربيع بالكيلو). والطبيعي من 20-25. وتبدأ زيادة الوزن عند تجاوز 25 وتبدأ السمنة حسب تعريف منظمة الصحة العالمية بعد تجاوز 30. مشكلة هذا التعريف أنه لا يأخذ في الحسبان سمنة البطن التي أظهرت الأبحاث الحديثة ارتباطها بالكثير من الأمراض أكثر من مؤشر كتلة الجسم. أسباب سمنة البطن: هناك في العادة توازن بين كمية السعرات التي يتناولها الشخص من جهة ومدى صرف أو حرق هذه السعرات من جهة أخرى. وهذا التوازن يحافظ على وزن الأشخاص وأي اختلال في التوازن من جهة الإيجاب أو السلب يؤثر على الوزن. ويمكن أن نوجز أسباب السمنة بصفة عامة إلى عوامل بيئية وعوامل وراثية جينية. فالعوامل البيئية تتمثل في عدم بذل جهد حركي كاف لحرق السعرات وزيادة تناول السعرات الحرارية حيث يكون تناول السعرات أكثر من حرقها. فالإنسان الذي يعيش حياة خاملة نسبيا ولا يحتاط في اختيار الغذاء الصحي يكون معرضا للسمنة. وهناك عامل وراثي حيث تشيع السمنة في عوائل أكثر من أخرى. كما أنه يبدو أن هناك عاملا وراثيا يجعل البعض أكثر عرضة للإصابة بسمنة البطن. سمنة البطن مشكلة شائعة جدا لماذا سمنة البطن خطيرة؟ هناك علاقة قوية بين سمنة البطن والكثير من الأمراض الخطيرة مثل أمراض القلب وتصلب الشرايين، ومرض السكري من النوع الثاني، وزيادة ضغط الدم وارتفاع الدهون في الدم واضطرابات التنفس أثناء النوم التي تسبب عند البعض فشلاً تنفسياً مزمناً أو حاداً وزيادة في الضغط الشرياني الرئوي. لذلك تعرف سمنة البطن بأنها سبب لمتلازمة التمثيل الغذائي (Metabolic Syndrome) الذي يسبب الأمراض آنفة الذكر. الدهون التي تتجمع في البطن تختلف تركيبيا ووظيفيا عن الدهون تحت الجلد حيث إنها تؤثر على وظائف بعض الهرمونات مثل الإنسولين. فخلايا الدهن في البطن تفرز مواد هرمونية تعرف بالأديبوكاينز كما أنها تفرز مادة ريزيزتين وهو ما يسبب مقاومة الجسم لهرمون الأنسولين ويزيد من احتمال الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني. وفي دراسة نشرت في مجلة نيو انغلاند الطبية المرموقة عام 2008 وأجريت على حوالي 360 ألف شخص في أوروبا تمت متابعتهم لمدة تسع سنوات. أظهرت الدراسة أن زيادة محيط الخصر أو نسبة الخصر للورك كانت مؤشرا قويا على خطر الوفاة خلال فترة الدراسة. الوقاية والعلاج: يكمن أساس الوقاية في العيش بنمط حياة صحي يقوم على تناول الغذاء الصحي ومزاولة الرياضة. ويجب الاهتمام بالأطفال بتعويدهم على نمط الحياة الصحي لأن عرضة لزيادة الخلايا الدهنية خلال نموهم والتي يصعب التخلص منها لاحقا عند كبرهم. أما العلاج فيحتاج لتغيير طريقة الحياة والانضباط في نظام غذائي ورياضي جيد وأكثر الأشخاص لا يستطيع تحقيق هدفه في إنقاص الوزن بدون مساعدة مختص في السمنة. لذلك ينصح بمراجعة مختص في علاج السمنة والأنظمة الغذائية. ومن المهم هنا التحذير من أنظمة التخسيس التي لا يشرف عليها مختص لأنها قد تسبب نقصاً في تناول مواد أساسية مهمة للجسم أو في التأثير على أعضاء حيوية مهمة مثل الكلى والكبد. وهناك عقاقير طبية تساعد في تنقيص الوزن ولكن يجب عدم تناول أي منها قبل استشارة طبيب مختص في السمنة أو الغدد لأنه قد يكون لها آثار غير مرغوبة عند سوء استخدامها. وحديثا ظهرت علميات تنقيص الوزن (جراحة بارياتريك) والتي تعتمد على عمل بعض التعديلات الجراحية في الجهاز الهضمي. وهذه العلميات قد تكون الحل الوحيد للمصابين بالسمنة المفرطة الذين تفشل الطرق الطبية الأخرى في علاجهم. وقد أظهرت الدراسات أن إنقاص الوزن عند المصابين بالسمنة ومتلازمة التمثيل الغذائي يقلل كثيرا من المضاعفات السابقة وقد يعود الشخص طبيعيا في حال تنقيص الوزن قبل استفحال المشاكل الطبية المزمنة. هناك بعض الاعتقادات غير الصحيحة عند البعض. حيث يظن البعض أن تمارين البطن تقلل من خطر سمنة البطن وهذا الظن خاطئ حيث إن التمارين الموضعية تزيد من قوة العضلات في منطقة التمرين ولكنها قد لا تنقص الوزن. لإنقاص الوزن لا بد من حرق سعرات حرارية وتقليل تناول السعرات الحرارية. المشكلة أكثر شيوعا عند الرجال منها عند النساء