منذ أن ألقى عصا الترحال واستقرت به الحال ومازالت ذكرى مؤسس الغرفة عبدالعزيز بن سليمان المقيرن " رحمه الله " حديثاً طرياً عذباً يتقاطر من شفاه المحبين له على امتداد الرقعة الكبيرة التي كان يملؤها حباً وتواصلاً مع وطنه كما كان طوال أيام حياته . وفي احتفالية الغرفة التجارية الصناعية بالرياض هذه الأيام بمرور خمسين عاما على إنشائها ، نتأكد بأن الكبار لا يرحلون بموتهم قدر ما يحتفظ بهم التاريخ بين طياته وتتمسك بهم العواطف في القلوب وتتذكرهم المآثر في القول والعمل .. حيث إننا في كل رفة جفن نستحضر أطيافهم ونستلهم أرواحهم المتفانية في سبيل الخدمة والعطاء ، نستشف تلك المعاني السامية التي لا تقنع الا بما هو متميز من العمل. وأستميحكم العذر ... فما أصعب ان تكتب عن رجل تحدرت من صلبه نطفة مكتملة التكوين عاشقة لكل معنى سامٍ وخلق نبيل ، إلى أن أصبحت بحكم أبوته لي أتكتم على ما أريد بوحه من سجاياه العطرة خشية أن أتهم بالانحياز .. ولكن حين وجدت نفسي سأكون منحازاً إلى جهة الضوء ضد العتمة ارتأيت أن من الواجب أن لا تظل تلك الشمائل مدرجة في أكفان الغياب , لذا قررت ان أحدثكم عن البعض من تلك السيرة وفاء وحباً وكرماً . كان الشيخ المؤسس رحمه الله سحابة من العطاء الذي لا ينضب ، حيث احترف ذلك بصورة مغايرة للمألوف فكان دافعه الحب الكبير لهذا الوطن الكبير لتصبح الغرفة كوليده البكر الذي رعاه حباً وعطاءً حتى شب عن الطوق . هذا المحتفى به والمتوّج بالفضيلة والعطاء ، انتخبته أحاسيس ومحبة الناس قبل أن تنتخبه الأصوات ، لذا لا يمكن لنا أن نعتقل أمجاده ومآثره في سجون هذه الكلمات التي ستجف وتبلى ولا يبقى سوى المجد في سيرة إنسانٍ بحجم الخير إذ تكوّن لديه رصيد حياتي زاخر من علاقات رسمية واجتماعية وطموح أكسب شخصيته أهمية تضاف إلى مكانته الشامخة .. حيث رسم له الخطوط وحدد له ملامح الطريق الى مناطق الإبداع والده " رحمه الله " . إن أحاسيس محبي هذا الكيان الذي نحتفل به اليوم ناجم عن يقين كل من ساهم في قيامه أن الخمول ينافي العقول التي تحمل المستقبل بين أسوارها والتي تبلّغ رسالات المحبة والسلام إلى الوطن عبر العمل الدؤوب والجهد الصادق .. ينبع ذلك الإحساس من الأعماق لينبه إلى أهمية ما تمثله حقيقة الانتساب الوجداني لهذه الأرض الطيبة بين أبناء هذا الوطن من ترابط في الصف وإخلاص في العمل .. لقد توهجت سيرة الغرفة التجارية الصناعية بالرياض تلازماً بسيرة عبدالعزيز المقيرن ، سيرة كيان نفخر به وبجميع من ساهم في تشييده وعلو قامته ، لذلك فهي لم تكن في روح المؤسس مجرد بناء معماري شامخ من الإسمنت والطوب بل كان يراها كياناً شامخاً يعانق السحب التي تمطر خيراً وتحفظ حقوق الجميع في اطر منظومة من القوانين والتشريعات . ونحن إذ نحتفى اليوم بهذه الثمرة اليانعة نستذكر الدعم والمؤازة من رجل الرياض الأول صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز الذي كان وما زال منذ مراحل التأسيس الأولى حارساً أميناً لهذه القلعة الحصينة ساهراً على رعايتها إلى جانب جهود الرجال المخلصين من رؤسائها المتعاقبين وأعضاء مجالس إدارتها والأمناء العامين بها وجميع العاملين بها ، وهم اولئك الذين تلمسوا الخطى الواثقة لدروب المستقبل من خلال العمل الجاد والايمان بأهمية العمل التطوعي في خدمة الوطن . لست هنا كي أقيم نصباً تذكارياً تتكرر فيه كلمات الاطراء والتكريم فقط .. فإن مثله لن يستفيد من ذلك أبداً .. بل حري بمن يريد تكريمه ان يدعو له ... وعلينا أن لا نسمح لمثله بالرحيل دون أن نعزز سيرته وامثاله من المخلصين بأن نجعلهم مناراً يستقطب الشباب أضواءه المفعمة نحو موانئ الخير والعطاء والعمل المثمر.. حيث إن عبدالعزيز المقيرن ولد ورحل ولم تكن أضواء الشهرة مبلغ حلمه ، ولا مصابيح الظهور هدفه الذي يصبو إليه .. وإنما هو شخصية تختلف في عطائها باختلاف المنشأ والجذور ، إذ كانت الفطرة السليمة هي أهم العوامل المؤثرة في تكوين شخصيته بعدما اختار أن يدور في فلك التواضع حتى آخر المدار حيث أسند عصاه على جدار الوقت وغاب باتجاه رحمة الله تعالى .