من لا يعدي عن مراعي جدوده بالسيف عدي عن مراعي ركايبه ومن لا يرد الضد بالسيف والقنا ويحمي الحمى تطمع عليه الثعالبه ومن لا يباشر شر الاشرار بالقنا يوطا وكف عداه لحماه خاربه ومن لا يعدي عن حياضه تشرع ومن لا يكرم لحيته حلق شاربه تمهيد: التراث الثقافي الوطني عنصر مهم في تكوين وبناء الهوية الوطنية، والتعامل معه يجب أن يكون بعلم ودراية وانتقائية، تقوم على تغليب الجوانب المضيئة على المعتمة في عملية ايصالها للأجيال، وقد قام المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن - طيب الله ثراه - وبعد سنين طويلة من الجهاد الوحدوي بجمع الشتات وبناء هوية ثقافية وطنية موحدة ترتكز على تراث ثقافي ضخم متعدد ومتنوع وضارب بجذوره في عمق التاريخ، ولكون بلدنا مثل جميع بلدان العالم التي تعتز بموروثاتها الثقافية، وتعمل على صيانتها وتسن القوانين والأنظمة والاتفاقيات مع الدول الأخرى لحمايتها مؤكدة حرصها على أن يحترم التراث الثقافي الوطني. ورغم أن لنا تراثا ثقافيا إسلاميا وعربيا مشتركا مع عشرات الدول إلا أن هناك ما يختص بنا وحدنا الذي نحن فقط معنيون به، ولذا يجب أن يصان عن العبث وان يحترمه الآخرون. ولكون التراث الثقافي الوطني ليس عمرانا وآثارا مادية فقط، بل إن غير المادي هو الجانب الضخم لدينا، ولكون رقي الأمم يقاس بمدى استيعابها لتراثها الثقافي واستلهام مضامينه الايجابية للانطلاق نحو المستقبل وفقاً لرؤى واضحة تتجاوز سلبيات الماضي وأخطائه، ولما يمثله الاستغلال المسيء لهذا التراث من انعكاسات مستقبلية خطيرة على الفرد والمجتمع، ففي هذا المقال نركز فقط على التراث غير المادي وخاصة فيما يتعلق بالتراث الشفوي الشعبي من شعر شعبي وتاريخ وأحداث وانساب وعادات وتقاليد. المشكلة تتلخص فيما يلي: - قيام بعض دور النشر الخارجية بالسطو على منتجات ثقافية وطنية وإعادة طباعتها وتصديرها تحت أسماء مختلفة، وربما أضافوا إليها ما ليس فيها بقصد دس السم في العسل والشواهد على ذلك لا تعد. - تركيز الجهات الخارجية (سواء دور نشر أو مؤسسات فنية) في جوانب مظلمة من الإرث الثقافي تثير الفتنة وتسبب انتكاسة في مفاهيم الوحدة الوطنية التي أوجدها المؤسس الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه. - تزايد أعداد المرتزقة الذين لا يعنيهم الموروث الثقافي الوطني بقدر ما يعنيهم المردود التجاري من تسويق منتجاتها داخل السعودية، من خلال المعارض أو من خلال القنوات الفضائية ومن دون أدنى اهتمام بما يترتب على ذلك من تأثير في المجتمع السعودي، وخلق حالة من عدم الرضا بما يمثل عوداً إلى دعوى الجاهلية الأولى، ولسنا ببعيد عن بعض المسلسلات البدوية المستوردة التي تم إيقافها بعد أن ضج بها الناس؛ لكونها تحمل في مضامينها تأجيج الصراع بين أبناء الوطن الواحد، وترسخ النعرات العصبية والقبلية. - بعض المؤسسات والأشخاص وللأسف من أبناء الوطن يمارسون التحايل على أنظمة وزارة الداخلية ووزارة الثقافة والإعلام فتذهب إلى دور النشر في بعض البلدان وتضخ عبر مطابعها ودور نشرها كتبا رخيصة وبتكلفة بخسة وتستغل معرض الرياض الدولي للكتاب في تسويقها وبمباركة من جهات تعتذر بحرية النشر في المعرض متناسية أن الحرية يجب أن تكون في حدود، وان لا تستغل الموروث الثقافي الوطني بشكل مسيء. - أن الأشخاص ودور النشر والمؤسسات الفنية المنتجة لا تتناول تراث وطنها بمثل حرية تناول تراثنا والعبث فيه، فأنظمة بلدانهم يرونها شيئا مقدسا لا يستطيعون تجاوزه فيما يختص بتراثهم الوطني، بينما تراث الآخرين تسمح لهم دولهم بالعبث فيه بشكل استفزازي ومثير للفتنة. - قيام المؤسسات الفنية الخارجية بتغذية الفضائيات وبشكل مكثف فلا تخلو أي دورة برامجية من مسلسل أو أثنين تقوم على تحريف واستغلال مسيء لتراثنا الثقافي. - معرض الرياض الدولي للكتاب في كل عام لا يكاد يفتح أبوابة إلا ونجد عدداً من المخطوطات أو الكتب التي تختص بتراثنا سواء كانت في مجال الشعر أو النسب أو التاريخ، وقد قامت بعض دور النشر الخارجية بنشرها على ما تحتويه من علل ومحظورات. - هناك مخطوطات وكتب مزورة ومحرفة وهي تختص بموروثنا الوطني تكتشفها المراكز الثقافية السعودية (دارة الملك عبدالعزيز لها جهود تشكر في ذلك) وتحذر من التعامل معها، أو أن يعتمدها الباحثون في أي دراسة، ومع ذلك نجد أن بعض البلدان تعيد تصديرها لنا مطبوعة أو بعناوين مختلفة بما تتضمنه من خداع وتزييف مقصود ومناف للحقيقة، وما تثيره من ردود فعل مهيجة ومسيئة كان من الأولى أن لا تستغل من أي طرف خارجي خاصة إذا كان شقيقاً. المقترحات يجب أن تسعى الجهات المعنية من وزارات ومراكز ثقافية إلى تحديد التعامل مع تراثنا الثقافي الوطني من خلال الأطر التالية: - يجب ألا يسمح لأي كان بالتدخل في هويتنا الثقافية الوطنية من دون علم وإذن منا، وأن لا يخترق أو يحاول الخروج عن النسق الثقافي الوطني الذي اخترناه وتكفلت الأنظمة واللوائح بالمحافظة عليه وصيانته. - أن الاعتداء على التراث الثقافي الوطني يجب أن يرقى التعامل معه إلى المخاطبة الرسمية على مستوى الدولة، من خلال وزاراتها المعنية بهذا الشأن لكف يد العابثين في تراثنا الوطني. - أن يدرج التراث الثقافي الوطني ضمن الشأن الداخلي للدولة الذي لا يسمح أن تتعاطاه أو تتدخل فيه أي جهة أو دولة أخرى بأي شكل أو صورة. - أن تعقد الاتفاقيات مع الدول بمراعاة الموروث الثقافي الوطني المختص بكل دولة ولا يسمح لأي بلد بإصدار ما يتعلق بتراث البلد الآخر من دون أخذ الإذن من البلد المعني بذلك. - أن تسن وتطبق اللوائح والأنظمة وتفعل العقوبات على المخالف سواء مؤلف أو كاتب أو مخرج أو دار نشر أو مؤسسة منتجة أو قناة عارضة. - المراكز الثقافية بشكل عام ينتظر منها أن تمارس الدور المنوط بها في تأصيل الثقافة الوطنية وصيانتها عن العبث والاستغلال، ويجب ألا تقف موقف المتفرج وننتظر منها المبادرة والتنسيق مع الجهات الرسمية والمراكز الثقافية في الدول الأخرى، وان يتم التنسيق بينها فيما يدعم ويرسخ قيم الاحترام والتعاون وعدم الاعتداء على الموروث الثقافي الوطني لكل دولة. الحافي الخاتمة: المقال رسالة مختصره عسى أن يعيها الجميع فالتراث الثقافي الوطني ليس (جدار قصير) وكما قال الخلاوي: ومن لا يذود عن حياضه تشرع ومن لا يكرم لحيته حلق شاربه وليس ذنبنا أن بعض البلدان بلا تراث ثري ذي عمق تاريخي وبالتالي هذا لا يمنحهم الحق أن يعتدوا على موروثنا، أو يسرقوا جهود أدباءنا وينسبونها لهم وعند تعاطيهم له يجب ألا يخرجوا عن أنظمتنا التي تراعي مشاعرنا وان يكون التعاطي في حدود الفائدة العلمية والمحافظة على ترسيخ المبادئ والقيم الوطنية ونشر العادات والتقاليد الحميدة وأن يسعى الجميع فيما من شأنه تنمية الحس الوطني نحو تراثنا الثقافي وأن يمثل ذلك أولوية وطنية يجب أن تعطى أهميتها على كافة الأصعدة.