عرف القارئ الأستاذ أحمد محمد محمود منذ سنوات طويلة كاتباً صحفياً مرموقاً بين مجايليه ولمس كل متابع للصحافة السعودية دوره في القيادة الصحفية، حيث ترأس تحرير ثلاث صحف محلية (عرب نيوز - المدينةالمنورة - المسلمون) إلى جانب إدارته لبعض المطابع وشركات الإعلان والصحف، لكن القارئ اليوم يشاهد المحمود منقباً في كتب الرحلات ومسجلاً إعجابه بهذه الرحلات المقدسة ومدوناً المشاهد والمواقف التي خطها الرحالة وهم في رحلاتهم للحج، وهو بذلك يقدم للمتلقي صفوة تجواله بين كتب الرحلات التي عكف على قراءتها وتأملها وتدوين ما يمكن ان يقدم الفائدة والسلوى، وقد سبق له نشرها في حلقات منجمة في مجلة (الحج والعمرة) على مدى سنوات ثلاث. يقف الأستاذ أحمد محمد محمود من خلال هذا الكتاب (رحلات الحج) في أجزائه الثلاثة موقف الناقد والمتأمل والمصحح والمتعجب أيضاً مما يقرأ، فهذه الرحلات منها ما اتخذ في الكتابة شكل اليوميات ومنها ما جاء بطريقة السرد المشوق، فيذكر الرحالة جملة من المواقع التي يشاهدها في طريقه كالأماكن المشهورة والمعالم المعروفة والقبائل وعادتها والقرى والمدن والنجوع والوهاد والصحاري والجبال، كما نالت جدة حظاً وافراً من الوصف والتسجيل لاسيما مناؤها في حالة قدوم الرحالة بحراً، وحين يلجون مكةالمكرمة يكون الوصف ثرياً ومانعاً ومشوقاً فمن وصف للكعبة المشرفة والحجر الأسود والمقام وبئر زمزم إلى أبوابها ومآذنها وأسواقها ومقابرها (المعلاة) وسكانها وعاداتهم، وكذلك يكون الوصف أدق تصويراً حينما تبدأ القافلة بالتحرك إلى المشعر الحرام فيدونون منى وعرفات والمزدلفة وحركة الحجيج عند الرمي وذبح الهدي، وحين ينتقل هذا الركب الإيماني إلى مأرز الإيمان (المدينةالمنورة) تلتقط أقلامهم أجمل الصور والمشاهد فيسجلون الحرم النبوي الشريف بمنبره ومحرابه وكذلك الحجرة الشريفة وأبواب الحرم وبقيع الغرقد وأسواق المدينة وأهلها وعادتهم وجبالها كأحد وسلع ويحدد مؤلف الكتاب جنسيات أصحاب هذه الرحلات حيث جاؤوا من جل أنحاء المعمورة مثل: المغرب وتونس والأندلس ومصر وسوريا ولبنان والعراق وإيران واليمن وتركيا والهند وأفغانستان ومالي والنيجر، بل إن هناك رحالة قدموا من بريطانيا وأمريكا وفرنسا وألمانيا وأستراليا وروسيا وإيطاليا، بل إن من بعض الرحالة نساء قدمن إلى مكة وسجلن خواطرهن. وقد حوى الكتاب بأجزائه الثلاثة صوراً لأشهر المعالم التاريخية وخرائط للعالم وللجزيرة العربية ورسومات متخيلة لأشهر الأماكن. كما ترجم صاحب (رحلات الحج) لكل من كتب عن رحلته مفصلاً حياته العلمية والعملية وانطلاق رحلته. هذا وقد خص المؤلف الجزء الثالث عنوان (الرحلات المحرمة إلى مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة) وأبان في مقدمة الكتاب ان هناك (54) مغامراً من الأوروبيين المسيحيين الذين ارتحلوا إلى الحرمين الشريفين وعادوا ليكتبوا عن تجاربهم على الرغم من تنوع مقاصدهم فمنهم من أسلم وحسن إسلامه ومنهم المتظاهر في رحلته بالسياحة ومنهم أسير الحرب ومنهم الجاسوس ومنهم العالم والباحث ومنهم الرقيق، أما عن أول رحلة قدمت إلى الحجاز فكانت عام 1503م للإيطالي دي فارتيما، كما وصل أيضاً في رحلة جديدة الإسباني دومنجو باديا لابليخ والذي أرسل جاسوساً من قبل نابليون بونابرت وكذلك الرحالة السويسري الشهير سنوك إلى جانب الرحالة نيبور الذي اعتنق الإسلام بعد ان وجده ديناً يدعو للتسامح، ومن الرحالة الأوروبيين الذين اعتنقوا الإسلام فهو الاسكتلندي توماس كيث الذي غير اسمه إلى إبراهيم أغا وتزوج بفتاة مسلمة وغيرهم من الرحالة الغربيين. في حين ضم الجزءان الأولان عدداً هاماً من الرحلات كرحلة ابن جبير ورحلة ابن بطوطة ورحلة ناصر خسرو ورحلة العياشي والرحلة الحجازية ورحلة سلطان مالي ورحلة قافلة الحج الشامي ورحلة الشيخ عبدالغني النابلسي ورحلة الدرعي ورحلة المكناسي ورحلة بلغة المرام ورحلة عبدالهادي التازي ورحلة رشيد رضا ورحلة اليعقوبي والرحلة الصعبة لطمسون ورحلة أيوب صبري باشا ورحلة الطنطاوي ورحلة محمد كامل حتة ورحلة الولاتي والرحلة المعينية ورحلة مالكولم إكس ورحلة محمود ياسين ورحلة إبراهيم رفعت باشا ورحلة ميرزا فرحاني ورحلة الجكني ورحلة فيلبي ورحلة ناصر الرين وغيرها من الرحلات، وقد أفرد المؤلف أحمد محمود في نهاية كل سفر من هذه الأجزاء فهارس للآيات القرآنية والأحاديث النبوية والمساجد والأعلام والبلدان والأماكن والقبائل والشعر والخرائط والرسومات والصور.