لعل بعض القراء يعلم بأن هذه المقالة ستكون السطور الأخيرة التي أكتبها في جريدة «الرياض» بصفتي سفيراً لدى المملكة العربية السعودية حيث إنني سأغادر المملكة غداً لتولي منصبي الجديد كسفير لدى أفغانستان. لقد كانت ثلاث سنوات غير عادية، بدأت بزيارة رسمية قام بها خادم الحرمين الشريفين إلى لندن وتكللت بإصدارنا 100.000 تأشيرة في عام 2009. وكما ذكرت من قبل على صفحات هذه الجريدة فإن هذه هي المرة الثانية التي أعيش فيها في المملكة العربية السعودية. والآن وبعد أن عملت في منصبين ولمدة ثلاث سنوات في كل منصب، ها أنا أجد نفسي مغادراً من جديد وأنا أفكر ملياً بالتغيرات التي طرأت منذ أن وصلت إلى المملكة أول مرة في عام 1995. بالطبع هناك بعض الأمور التي يسهل مشاهدتها، مثل البرجين الشاهقين في الرياض وكثافة الحركة المرورية وانتشار العمران في المدن حتى أقاصي أطرافها. بيد أن ثمة تغييرات إنسانية حدثت أيضاً، إذ يتقلد الكثير من المواطنين السعوديين المناصب الإدارية وتصنف الجامعات السعودية في قوائم الجامعات الأفضل في العالم، بالاضافة إلى التزايد في أعداد محطات التلفزة والصحف والمدونات الإلكترونية. وقد شمل التغيير أيضاً العلاقة السعودية البريطانية التي كانت تقوم منذ عقود خلت على ركيزتين أساسيتين هما: الدفاع والتجارة. وما تزال هاتان الركيزتان بصحة وقوة حيث إن حجم التبادل التجاري بين المملكتين ارتفع بمعدل يزيد عن 35٪ منذ وصولي. وإذا أخذنا الأرقام التي تحققت في شهر يناير كمعيار، فإن هذا الارتفاع سيستمر في اتخاذ منحى تصاعدياً. وعلى صعيد الدفاع فإن العلاقات الدفاعية القائمة بين المملكتين تزداد قوة من بعد قوة. وقد شهدت العلاقات الثنائية في السنوات العشر الماضية، تطوراً في ثلاث ركائز أخرى صبغت العلاقة البريطانية مع المملكة العربية السعودية بالتنوع والتوطيد. الركيزة الأولى هي العلاقة في مجال مكافحة الإرهاب التي تتسم بحكم طبيعتها بنوع من الخصوصية. واسمحوا لي أن أؤكد لكم بأن هذه العلاقة تهم كثيراً المملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية على حد سواء. ولا ننسى ما للمملكة العربية السعودية من تأثير ديني بالغ بوصفها تحتضن الحرمين الشريفين. وثمة أمور كثيرة يجدر أن نتعلمها من مفهوم الأمن الفكري الذي تفوقت فيه المملكة العربية السعودية. أما الركيزة الثانية الجديدة فهي التعاون في مجال القضايا الاقليمية. المملكة المتحدة تريد أن يعم الاستقرار والأمن والرخاء في الشرق الأوسط وكذلك تريد المملكة العربية السعودية. لقد تشرفت بالتعاون الوثيق مع الحكومة السعودية بشأن النهج المشترك للتعامل مع القضايا الإقليمية، وربما الأهم هو جهودنا الرامية لإيجاد حل للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني. أما العلاقة التعليمية فهي الركيزة الأخيرة الجديدة حيث يواصل المجلس الثقافي البريطاني الاضطلاع بدور رائع في الخبروجدةوالرياض. وثمة زيادة عددية كبيرة في التعاون القائم بين كليات التدريب التقني والمهني البريطانية مع نظرائها من الكليات السعودية والأهم من ذلك هو ارتفاع أعداد الطلبة السعوديين الذين يختارون الدراسة في المملكة المتحدة حيث قفز العدد من 6.000 إلى 20.000 طالب خلال السنوات الثلاث التي كنت فيها سفيراً. إنها زيادة غير عادية تبشر بالخير الكثير عن مستقبل العلاقة بين المملكتين. يسرني أن أقول وأنا أغادر المملكة العربية السعودية بأن العلاقة بين المملكتين في حالة ممتازة. وأتوقع أن يصل السفير البريطاني الجديد في فصل الصيف. وفي غضون ذلك سيتولى السيد رودريك دراموند، وهو واحد من أكثر الدبلوماسيين البريطانيين تمرساً وخبرة، منصب القائم بالأعمال. أعلم أن الكثيرين منكم سيجعلونه يشعر بأنه موضع ترحيب، تماماً كما جعلتموني أشعر بهذا الاحساس. وبهذا الصدد، اسمحوا لي أن أنهي كلمتي بتوجيه الشكر لكم جميعاً على مساعدتكم في جعل فترة عملي كسفير ممتعة جداً. لقد كانت ثلاث سنوات رائعة حقاً. * السفير البريطاني في المملكة