نصيحة لله: من استطاع منكم أن يخرج أبناءه إلى البرية والخلاء فليفعل.. من استطاع أن يخرجهم من أتون المدينة فليفعل.. ليذهب بهم في الأسبوع ولو مرة واحدة بعيداً عن صخب المدينة، وصخب البيوت.. نعم صخب البيوت!! فكل شيء في بيوتنا صخب وعنف وقلق إلا من رحم ربك.. فمعظمهم غارق في دوامة العنف والصخب من خلال مشاهداته وسماعه.. فانظروا ماذا يشاهدون بربكم.. إن ذهبوا إلى الصحافة فمعظم الذي فيها أخبار أغلبها مفجعة، موجعة عن الاقتتال والحروب، إلى أخبار الحوادث، والوفيات، إلى غثاء لا نفع فيه من نفاق إعلامي، واجتماعي يدعو إلى الرثاء والحسرة.. وإن ذهبوا إلى التلفزيون فهو أشد وأنكى.. مشاهد دموية حية يرونها صباح مساء في فلسطين، والعراق، وأفغانستان، والصومال، مشاهد ذبح حقيقية، وليست مسلسلات تمثيلية من منتجات «هوليود» وربما شاهدوا فوق الكوارث والمحن السياسية كثيراً من الكوارث، وأخبار الأعاصير والزلازل، إضافة إلى مشاهد الكوارث الأخلاقية التي تبثها القنوات الفضائية، والتي تحقن عقولهم بألوان السخف، والرقاعة، وقلة الذوق والحياء، والبعد عن المروءة والشهامة، وأخلاق الفرسان.. سوف يشاهدون الكثير من الدجل الفني، والدجل السياسي، والدجل الأخلاقي، وبعض الصلف الوعظي، الذي لن يزيدهم إلا بعداً ونفوراً.. وإذا ذهبوا أو أخذوا في ألعاب التسلية فمعظمها ألعاب قائمة على العنف، بل وتؤسس لثقافة العنف من ضرب، ولكم، وقصف، وقتل.. قليلة هي القنوات العلمية الرصينة، ونادرة هي القنوات التي ترسخ المثل الإنسانية، ونادرة هي الألعاب التي تحرك العقل، وتنمي الذكاء، والإبداع.. لهذا أخرجوهم من أتون هذه المدن التي تحرق أعصابهم بضجيج السيارات، وأصوات المنبهات، وإشارات المرور، ورائحة العوادم.. خذوهم إلى الصحراء ولا شيء معهم من ذلك.. أخرجوهم ليتنفسوا هواءً نقياً، وليتنفسوا جريمة حقيقية، دعوهم يشمون رائحة الأرض، ينظرون إلى الجبال، والرمال، والسراب، وتلفحهم الريح، ينظرون إلى السماء، ويتأملون النجوم، والكواكب، وتقاذف الشهب، دعوهم يذهبون إلى الحقول، يتنفسون الماء، ورائحة الشجر، والاخضرار، ورائحة الطين، الذي منه خلقوا وإليه سوف يؤبون، علموهم الإصغاء إلى صوت الصمت، ولغة الأرض، والتأمل في ملكوت الله، دعوا أعصابهم ترتاح، وأبصارهم ترتاح، ومسامعهم ترتاح، دعوهم ينامون في سكينة ودعة وهدوء.. دعوهم يسيرون في الليالي المقمرة، يفرحون، ويرقصون، ويغنون غناء الطبيعة، لا غناء السفاهة والتفاهة، والمجون، علموهم كيف يتأملون جيداً، فيأملون جيداً، فيحلمون أحلاماً جميلة بعيدة عن الصخب، والعنف وعذابات المشاهد المؤذية، فذلك سوف يقوي أنفسهم، ويشد من عزائمهم نحو المستقبل بتفاؤل، وأمل، ويجعلهم أكثر محبة للحياة، والأحياء، أعطوا عقولهم، وأرواحهم، وأنفسهم إجازة طبيعية، يتمتعون فيها بطفولتهم الغريزية التلقائية الفطرية، وليس بالطفولة المعتسفة، والتي فيها الكثير من الإملاء، والإجبار والإكراه.. أيها السادة صدقوني إن كثيراً من البيوت هي أشبه بالمعتقلات والزنازين، حتى وإن اتسعت، لأن الأطفال فيها محاصرون بما لا يحبون، ومقيدون قيوداً قاسية وإن كانت من حرير.. لا تظنوا أن التلفاز، والانترنت، والألعاب الالكترونية، والهاتف النقال انها دائماً وسائل راحة.. إنها قد تكون أغلالاً، ووسائل حصار، ليس للصغار وحدهم، وإنما للكبار أيضاً..!! ولكن الأطفال أولى بالشفقة والعناية، فأطلقوهم وانطلقوا بهم إلى أرض الله، بعيداً عن وسائل التدمير هذه ولو مرة واحدة في الأسبوع.. ثم راقبوا سلوكهم، راقبوا نفسياتهم، راقبوا تعاملهم فيما بينهم، وسوف تجدون شيئاً مختلفاً، وترون أطفالاً مختلفين.. أما إن ظلوا تحت سيطرة العنف التلفازي، والعنف الإلكتروني، فلا تتوقعوا منهم إلا حياة العنف والبؤس والشقاء، والاكتئاب، والأمراض النفسية المختلفة.. أجاركم الله وإياهم من كل بؤس، وشقاء..