لقد عاشت أسرتنا حدثاً جللاً زلزل كياننا وأذهل عقولنا بفقد حبيبتنا أمنا الغالية التي انتقلت إلى جوار ربها الباري، فقد غيب الموت عنا فقيدتنا الوالدة نورة إبراهيم الثنيان، نسأل الله لها الرحمة والمغفرة، وغابت عنا أشعة شمسها بحياتنا فجأة وعلى حين غرة، ولكن لله ما أعطى ولله ما أخذ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا "إنا لله إنا إليه راجعون". لقد غابت عنا نهر العطاء المتجدد، وانتزع الموت من قلوبنا أمنا، وتغشى الحزن قلوبنا، واقتلع الموت من أفئدتنا دوحة غناء تفيأنا ظلالها زمناً طويلا لم نشعر بطوله ولم نحسبه لفيض عطائها العاطفي والمادي والتربوي، ولنفقد نبعاً لا ينضب من الدعاء الصالح فمن سيدعو لنا مثلها؟؟. لقد تربينا برحاب ينبوع من الحنان والحب الذي فاض ليشمل أبناءنا وأحفادنا، ولقد أصلت فينا المحافظة على القيم وربتنا على شكر الله على النعم وحملت همومنا، وعلمتنا رغم أميتها أن التقوى ومعرفة الله بالقلب ودوام استشعار رؤيته هي الدرع الواقي من الوقوع بمزالق الانحراف ومتاهات ظلم العباد، وكان همها المحافظة علينا من رفقة السوء، وأكثر ما يغضبها منا التهاون بأداء الصلاة مع الجماعة بالمسجد. لقد نشأت رحمها الله وتربت ببيئة صالحة وحرصت على إصلاح نفسها فأعطاها الله من الصلاح نصيباً كبيراً، بلسان رطب بذكر الله دائماً وبالدعاء الصالح لأبنائها وللمسلمين، وكان الإحسان سجيتها بالقول والعمل، فكانت رغم قلة ذات اليد لا تفتأ أن تبعث مما يسر الله لها من خير لأصحاب الحاجة، وكانت حريصة على طعمة الجار والصديق، ورغم عدم وجود مصدر دخل دائم لها إلا ما يرزقها الله من واسع فضله إلا أن يدها كانت مبسوطة للقريب والمحتاج والضعيف، وهي أسرع حركة بصرف المال بوجوه الخير من حركتها بقبضه. وكانت تنفق ولا تبقي رغم قلة ما بيدها، إنفاق من لا يخشى الفقر أو العوز وكان ربها معها أكثر كرماً وإحساناً، فسبحان الله كانت كلما أسرعت وبادرت بالإنفاق عن قناعة يأتيها رزقها المتجدد من ربها مما لا تتوقع وأسرع مما تظن، وأحسبها والله حسيبها صادقة النية خالصة القصد لوجه الله بعطائها ومعروفها، وكانت تحذر الشبهات ولا تقبل أي مال به شبهة. أمي.. نحن بصدمة الموت مندهشون ومازلنا لفقدك غير مستوعبين ولكنا إن شاء الله مؤمنون بالقضاء وبالقدر راضون، وعزاؤنا الوحيد فيك ذكرك الطيب بنفوسنا وسيرتك العطرة بين الناس ووجود والدنا أمد الله بعمره على الطاعة. أسأل الله أن يكتب عمرك المديد الذي عشتيه حافلاً بالطاعة والصدقة وقضاء حاجات الناس وبذل المعروف والسعي بالإصلاح بين الناس والمبادرة لصلة الأرحام ولمن هو أصغر منك سناً استشعارا منك لقيمة هذه الخصلة، ورضاك بما كتب الله عليك بسنواتك الأخيرة من معاناة الابتلاء بالأمراض والإقعاد بالفراش حتى توفاك الله وأنت راضية وماعملتي من خير يشهد لك، وأن يتقبل الله دعاء المسلمين لك، وأن يجعل ماتحملتيه من معاناة بمكابدة الظروف المعيشية ردحاً من الزمن ومعاناة تربية الأبناء وحمل همهم ومعاناتك من الأمراض الصعبة تكفيراً لذنوبك، وأن يغفر لك ما تقدم من ذنبك وأن يبدل سيئاتك حسنات، وأن ينقلك من بين ضيق اللحود ومراتع الدود إلى جنات الخلود والنعيم وأن يجمعنا بك بعليين، ويرفع مقامك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وأن يعوضنا بفقدك خيراً ويلم شملنا بذكراك، وأن يجعل قبرك روضة من رياض الجنة، والحمد لله على قضائه وقدره.