قبل ما يتحدث الرحالة الانجليزي (ماكس اوبنهايم) عن الموت والدفن في مجتمع الصحراء في كتابه رحلة إلى ديار شمر وبلاد شمال الجزيرة تحدث عن تؤم الموت وهي الامراض والعاهات المنتشرة واشار إلى تمتع البدو بصحة افضل من صحة الشعوب المستقرة، أعزى ذلك إلى بساطة حياتهم ووجودهم الدائم في الهواء الطلق وتجنبهم مسببات الامراض الناتجة عن تقلبات طقس الصحراء إذ يلف البدوي نفسه (كما يقول) بعباءته لفا محكما اثناء الترحال لتفادي الإصابة بالبرودة وأمراض العيون ويذكر ان البدوي إذا ما أصيب بالمرض فانه غالبا ما يحتار في علاجه. فبركض إلى أعشاب الصحراء التي عرفها من خلال التعايش مع الطبيعة الا انه يعتمد أكثر والقول للرحالة على العلاج المستعمل في جميع الأغراض والمتمثل في ابتلاع قطع من الورق تكتب عليها طلاسم وعبارات سحرية غامضة أو آيات من القرآن الكريم ويمضي إلى القول بأنه ينتشر عندهم (استعمال الحديد الساخن) وهو الكي الذي يستعمل لكل انواع السقم ويستعمل في جميع اعضاء الجسم أما الجراح الخطيرة الناتجة عن الاصابات والحروب فانها تترك وشأنها الا انها تشفى بسهولة بالغة على غرار ما هو معروف عند الشعوب البدائية كافة ومن المضر عند البدوي أكله الخبز ساخناً من فوق النار، وعند ما يموت البدوي تنتحب النساء في خيمته وفي الخيام المجاورة لها بأصوات عالية وحادة تسمى (الولوله) كما هي عادة الشرق كافة بمثل هذه المناسبات. ويتم دفن الميت يوم وفاته بالملابس التي كان يرتديها حين موته دون أي طقوس خاصة. ويقوم بذلك في العادة رجلان، ولكن عند وفاة شيخ من الشيوخ يطلق عيار ناري مرة واحدة أو عدة مرات اما الغسل الذي تنص عليه الديانة فلا يتم الا نادراً، ويتمثل القبر في حفرة بسيطة لا يمكن أن تكون عميقة بسبب عدم وجود المعدات المناسبة للحفر. ويغطي البدو القبر بالحجارة لحمايته من الوحوش. وأحياناً تثبت أعواد من الخشب تحمل خرقاً من الثياب بين الأحجار. وليس هناك علامة أخرى لتمييز القبر، بعكس ما عليه الحال عند سكان المدن والفلاحين الذين من عاداتهم وضع أنصاب تذكارية صغيرة للموتى وبقدر ما يكون البدوي حصيفاً وواقعياً بقدر ما تقوده نزعة شاعرية في اختياره للمكان الذي يدفن فيه، فطبقاً لعادة ضاربة في القدم سبق ذكرها في كتاب الانجيل. يرفض البدوي أن يدفن في ارض منبسطة. فضلاً عن الاودية والمنخفضات، وانما يريد ان يدفن على ربوة مرتفعة اذا تيسر، أو على قمة جبل شامخ حيث انه يأمل أن يتمكن من مشاهدة أهل قبيلته عندما يحطون رحالهم بالقرب من مثواه. أو ليزداد أهل قبيلته بأساً أثناء الغزو عند ما يشاهدون ضريحه، وهكذا نجد قبور البدو هذه على أغلب النقاط المرتفعة في الصحراء، أما المقابر الكبيرة فهي قليلة عند البدو وفي افضل الاحوال نجد عدة قبور متجمعة على كثبان ركامية قديمة. انتهى كلام الرحالة الذي كان يتحدث عن الفترة المظلمة من بدايات القرن الميلادي الماضي في أجزاء من الجزيرة العربية التي كانت حينها لا تزال منغمسة في الخرافة والمعتقدات السائدة قبل انتشار دعوة التوحيد، في نفس الوقت فليس من المستبعد أن يكون هناك مبالغة فيما يخص مراسم الدفن واسباب تفضيل الميت دفنه في مكان مرتفع فمع حقيقة ما ذهب اليه الرحالة الا ان الغالبية كان يوصي أن يدفن في الاماكن المعروفة والبعيدة عن مجاري الاودية ومنايت الشجر حتى يعلم مكان قبره وتبقى معالمه واضحة في رجوى دعوة مسافر او عابر سبيل يمر ولو بعد حين. علاف كتاب رحلة الى ديار شمر