يعد الرحالة الانجليزي ماكس اوبنهايم أفضل من تحدث عن هجرات وأصول قبائل العرب الذين قضى معهم فترة من الزمن عام 1929م اثناء تنقله من قبيلة إلى أخرى في شمال الجزيرة ورصد بدقة متناهية أهم جوانب الحياة المتعلقة بالعادات والتقاليد وتحدث عن مظاهر اللطف في طبائع البدو والتي اعتبرها مزيج من خصال جميلة وأخرى سيئة تتغلب عليها في النهاية الصفات الايجابية، كما تحدث عن نظام حقوق الملكية المحكومة غالبا بالمبادئ (والسلوم) التي لا يتجاوزها البدو ولا يساومون عليها وأورد بعض النماذج والروايات من واقع النظام الاجتماعي في البادية كشواهد حقيقية تساند صحة نظرياته التي حملها كتابه رحلة إلى ديار شمر وبلاد شمال الجزيرة والتي قال ضمنها: طبع البدوي مزيج عجيب من خصائل رائعة وصفات أخرى وهو مثال بليغ على صدق المقولة بأن الشعوب الأخرى على غرار الأزمنة الأخرى لا ينبغي الحكم عليها انطلاقاً من القيم الأخلاقية السائدة عند الشخص الذي يحكم عليها. وإنما ينبغي أن يكون ذلك بناء على المعطيات المتعلقة بها بذاتها، ورغم ذلك فإن طبع البدوي تغلب عليه الصفات الايجابية حسب مفاهيمنا، فما دام البدوي لا يتعرض إلى مس بشرفه، وما دام واجب الثأر لا يدفعه إلى التصرف بطريقة أخرى، وما دام لا يعتقد انه محق في ممارسة نفوذه فهو مثال للطيبة واللطف والترفق. ماكس فرايهر فون أوبنهايم ويحب البدوي السماحة في معاملته لعدوه المهزوم إذا كان بدوياً أيضا، ومن القصص المميزة لمثل هذا التصرف ما حدث لشيخ إحدى القبائل مع عقيد قبيلة أخرى كانت تربطهما علاقة صداقة ومن باب الصدف فقد وقعت ذات يوم مجموعة العقيد الصغيرة في يد الشيخ الذي استعد للهجوم عليهم لكنه ارسل قبل ذلك لعقيدهم أحسن فرس يملكها حتى استطاع هذا الاخير النجاة بحياته فاراً على صهوة هذه الفرس. من مزايا البدو ايضاً احترام حق الملكية الذي يتضارب بصفة غريبة مع ميول البدو إلى الغزو لكنه يزداد رسوخاً بأمثلة بليغة متعددة فنجد أن حق الملكية على المتاع الثابت أو المتحرك لا ينقضي بهجرة أو فقدان أو وفاة صاحبه. وعلى هذا المنوال استطاع الشيخ الصغير (فارس) وأمه العودة إلى نجد عند فرارهم من الاتراك باعتقاد راسخ في العثور على الآبار والواحات التي غادرها أجدادهم قبل قرون عديدة ودون خشية أن ينازعهما فيها أصحابها الجدد في ذلك العهد. ويذكر (الايارد) أن بدوياً فر ذات يوم لبعض الاسباب إلى الموصل، ودخل مسجداً تدرس فيه علوم الدين، وانصرف إلى حياة الزهد والتعبد، وبعد انقضاء سنين طويلة حطت قبيلتة رحالها ذات يوم مصادفة بالقرب من الموصل، وعلم شيخ القبيلة بوجود البدوي في ذلك المكان فأعاد اليه الابل التي ورثها عن والده الذي كان قد توفي اثناء غياب الابن عن القبيلة، وكانت الابل قد تكاثرت بشدة في غيابه، الا أن جميع أفراد القبيلة وفروا لها كل اسباب الرعاية بصفتها ملكاً لرجل متغيب من رجال القبيلة. غلاف كتاب رحلة إلى ديار شمر وبلاد شمال الجزيرة العربية ,